فهو ملاحظة هذا التوزيع العادل في إنزال الماء على العباد ، ليتعرفوا منه عظمة الله ورحمته ، فيذكروا الله في إيمانهم. أمّا من خلال المعنى الثاني ، فواضح في تكرّر أمثال هذه الآية في القرآن ، حيث تتنوع أساليب القرآن في توعية الناس بالمفاهيم التوحيدية ، وإذا ما عاشوها ، تذكروا وخرجوا عن أجواء الغفلة التي يعيشون فيها ، ولكن (فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) لأنهم لم ينفتحوا على المعاني المتنوعة بوعي وفكر وتأمّل ، بل واجهوا ذلك مواجهة اللامبالاة ، فأعرضوا ، وكان نتيجة ذلك الكفر بالنعمة ، والعقيدة التوحيدية.
(وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً) فقد كان لكل أهل قرية نبيّ يبلغهم رسالات الله ، ولكن المسألة ليست تعدد الأنبياء والمنذرين ، لأن العدد ليس هو الأساس ، بل المسألة هي قيام النبي برسالته في امتداد الساحات التي تمثل خط المسؤولية لديه ، فيما يقوم به من إبلاغ وإنذار ، وفي إبلاغها وإنذار الناس بعذاب الله لمن يجحد ويكفر ، واستعداد الناس للاستماع إليه ، ولذلك أرسلناك ـ يا محمد ـ إلى القرى كلها ، وإلى العالمين كلهم .. لأنك النبيّ الذي يستطيع الاضطلاع بالمهمة الكبرى في إيصال الرسالة إلى كل قلب ، وفي إدخال القرآن إلى كل أذن ، قد اطلع على امتداد فكرك وروحك وحركتك بما يشمل الحياة كلها ويحتوي الرسالة كلها بطريق مباشر أو غير مباشر.
(فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ) الذين يريدون لك الانسحاب من ساحة الدعوة إلى توحيد الله ، وإلى مواجهة الوثنية في أصنامها وفي تقاليدها وفي شرائعها ، لتحصل على رضاهم ، فإنهم لا يريدون لك ، وللناس كلهم ، خيرا من ذلك كله ، بل يريدون الشر كله عبر انحرافهم عن خط الإيمان بالله وبوحدانيته ، ودعوتهم إلى الالتزام بالخط المنحرف في العقيدة والشريعة والسلوك ، فلا تطعهم ، وأطع الله في كل ما أمرك به أو نهاك عنه ، وأراده لك من حمل رسالته وإبلاغها إلى الناس كافة ، ومجاهدة كل من يقف في مواجهتها ، ليكون الحاجز