الذي يحول بين الناس وبين سماع كلمة الله.
(وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً) فليكن القرآن بمفاهيمه الحقة ، ووسائله القوية الدامغة ، وأساليبه المتنوعة ، هو القوّة التي توجهها إلى مفاهيمهم الزائفة ، وخططهم الضالة ، وأفكارهم المنحرفة ، وذلك هو الخط الذي يجب على الدعاة إلى الله حمله ، في مواجهتهم للكفر كله ، وللشرك كله ، وهو خط الجهاد بالكلمة والحركة والممارسة على مستوى الفكرة والحياة ، وبكل الوسائل التي تمثل الصدمة القويّة في ساحة الصراع.
وتعود الآيات من جديد لتثير أمام الوعي الفكري للإنسان ، مظاهر قدرة الله في الكون ، لينفتح على عظمة الله ، فيقوده ذلك إلى الإذعان بتوحيده ، عند ما يدخل في مقارنة دقيقة ، بين ما هو الله في قدرته ، وما هو الإنسان في عجزه ، وما هي الأصنام في جمودها وحقارتها.
(وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ) وخلط بينهما من دون أن يفقد كل واحد منهما خصوصيته الذاتية (هذا عَذْبٌ فُراتٌ) طيب الطعم ، كثير العذوبة (وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ) أي ماء شديد الملوحة (وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً) حاجزا خفيّا من صنع قدرته بحيث يمنع التفاعل بينهما في عملية تأثر وتأثير ، (وَحِجْراً مَحْجُوراً) أي حراما محرّما أن ينفذ أحدهما إلى عمق الآخر ، فيختلط به ويبدّل طعمه.
وربما كان في ذلك «تنظير لأمر الرسالة من حيث تأديتها إلى تمييز المؤمن من الكافر مع كون الفريقين يعيشان على أرض واحدة ، مختلطين ، وهما ـ مع ذلك ـ غير متمازجين ..» كما يقول بعض المفسرين (١).
(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً) إذ خلق النطفة التي هي ماء مهين يخرج من الرجل فيلقح بويضة المرأة ، فيتحوّل إلى بشر ، (فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً) الذي
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ١٥ ، ص : ٢٢٨.