غير المماثل ، بل يدرسون المسألة من موقع العقل المتأمّل الواعي المنفتح على الواقع من جميع جوانبه ، فإذا رأوا للموقف خطورة تستدعي الردّ ، كان ردهم لطيفا حماسا ، وإذا لاحظوا أن الجاهلين يتحركون في كلامهم من مواقع الجهل الذي يتعمد الإثارة ، ليخلق مشكلة ، أو يثير فتنة ، أعرضوا عن الردّ المباشر وكانت روح السلام الذي يتفادى المشكلة والفتنة والإثارة ، هي موقفهم ومنطقهم ، فاكتفوا بكلمة (سَلاماً) هذا الردّ العاقل المتزن الموحي الذي يقول للجاهلين : لسنا هنا في معرض الانفعال للدخول معكم في حرب ، بل نحن هنا ، في موقع الإعراض عن جهلكم ، بروح السلام.
وهذه هي الطريقة الحكيمة التي يواجهون بها خطاب الجاهلين ، عند ما يحتاج الموقف إلى ذلك ، على سبيل الكناية إمساكا منهم بالموقف وتحقيقا لمبتغى المصلحة في ذلك.
(وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً) فهم المؤمنون بالله ، المنفتحون على ألوهيته في حقيقة التوحيد ، الخاشعون في إحساسهم العميق لله سبحانه وتعالى ، المتحركون في مشاعرهم وأفكارهم في خط الممارسة العملية الواعية ، الراكعون أمام الله ، بالخضوع له ، الساجدون مع انسحاق الإرادة وذوبانها في جنبه ـ تعالى ـ القائمون في استسلام الروح والجسد والقلب والضمير ، بين يديه ، حيث ينام الناس في غفوة الغفلة. واسترخاء الجسد ، ويبيتون هم في يقظة منفتحة واعية في سجود خاشع ، وقيام خاضع لله سبحانه ، كرمز للقيام الدائم أمامه في حركة الحياة كلها.
(وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ) في توسل العبد بمولاه ، وخوفه من عقابه ، عند ما يعيش قلق المصير أمام خطاياه ، فيبتهل إلى الله ليغفر له ذلك ويوفّقه للاستقامة ، ليصرف العذاب عنه من موقع المغفرة ، والطاعة.
(إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً) وهو المصيبة التي تصيب الإنسان ، والنائبة