اعمّ من الآيات التّكوينيّة والتّدوينيّة والآفاقيّة والانفسيّة (إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِ) الّذى هو أعظم آياته وهو الولاية كما سبق وتكذيبهم للحقّ لتمرّنهم على تكذيب مطلق الآيات (لَمَّا جاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) من الولاية (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ) فاتّكلوا على حياتهم الدّاثرة الفانية واستبدّوا بآرائهم الكاسدة وأعرضوا عن آياتنا ، والقرن برهة كثيرة من الزّمان أو هو مدّة عشرة أو عشرين أو ثلاثين أو أربعين أو خمسين أو ستّين أو سبعين أو ثمانين سنة ، أو مائة أو مائة وعشرين سنة ، أو أهل زمان واحد أو أمّة بعد أمّة ، أو كلّ أمّة هلكت فلم يبق منهم أحد (مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ) بالصّحّة والقوّه في الأجسام والسّعة في الأموال والأولاد (ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ) اى المطر والسّحاب (عَلَيْهِمْ مِدْراراً وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ) يعنى هيّئنا لهم أسباب التّرفّه والسّعة والتّنزّه علاوة على تمكينهم في الأرض (فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ) يعنى ما صار تمكّنهم حافظا لهم عن بأسنا ولا امدادنا لهم واستدراجنا ايّاهم (وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ) تهديد بليغ لهم (وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ) مكتفين بالرّؤية لئلّا يقولوا سكّرت أبصارنا (لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالله أو بك (إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) لنهاية عتوّهم وتمرّنهم على الجحود (وَقالُوا) عنادا ولجاجا (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ) ان كان رسولا (وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ) امر حيوتهم أو الأمر بقبض أرواحهم يعنى انّهم ضعفاء الأبصار ليس لهم قوّة الجمع بين الطّرفين ، والملك لا يدركه الّا بصيرة باطنة اخرويّة لا البصر الظّاهر الدّنيوىّ فلو أنزلنا ملكا حتّى يروه لا نسلخوا من ظواهرهم البشريّة ولا نقلب الدّنيا آخرة والحيوة مماة فلقصورهم وضعفهم لم ننزّل ملكا بحيث يرونه ، ولا ينافي هذا نزول الملك على الرّسل (ع) لجمعهم بين الدّنيا والآخرة كما مضى تحقيقه وكيفيّة مشاهدة الملك في المنام واليقظة للرّسل وسماع قوله للأنبياء والمحدّثين عند قوله (وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) من سورة البقرة (ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً) جواب ثان أو جواب لاقتراح ثان فانّهم تارة قالوا : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ) ، وتارة قالوا : لو أراد الله ان يبعث إلينا رسولا لأنزل ملكا (وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ) يعنى لو أنزلنا ملكا امّا جعلناه بصورة ملك ولم يقووا على إدراكه ، أو جعلناه بصورة رجل ولو جعلناه بصورة رجل لا وقعنا عليهم الالتباس والامتراء حتّى يقولوا فيه ما قالوا في الرّسول البشرىّ ، فالآية اشارة الى قياس استثنائى منفصل التّالى مرفوعة بكلا شقّيه ان كانت جوابا بكلا شقّيه لسؤال واحد ، أو اشارة الى قياسين استثنائيّين ان كانت جوابين لسؤالين منهم (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ) تسلية له (ص) (فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) يعنى أحاط بهم العذاب الّذى كانوا به يستهزؤن ، أو وبال القوى الّذى كانوا بسببه يستهزؤن (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ) اى سيروا في الأرض الظّاهرة باقدامكم وفي ارض القرآن وتواريخ الأمم الماضية بابصاركم ، وفي ارض العالم الصّغير ببصائركم (ثُمَّ انْظُرُوا) اى تفكّروا ، وتخليل ثمّ لانّ التّفكّر هو ترتيب المقدّمات والانتقال منها الى النّتائج وبالسّير يحصل المقدّمات وبعد حصول المقدّمات يمكن التّفكّر (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) بالرّسل (ع) في شأن أنفسهم أو في شأن أوصيائهم