النّساء عن الرّجال وقبول ارحامهنّ لنطفهم يتولّد المواليد وتنمو وتبقى وهي في بقائها ونمائها أيضا محتاجة الى تلك الآباء بخلاف حاجة الحيوان الى آبائها الجسمانيّة فانّها بعد حصول مادّتها وحصول قوام ما لمادّتها مدّة كونها في الرّحم غير محتاجة الى آبائها ، وبإلقاء العقل الكلّىّ نقوش العالم على لوح النّفس الكلّيّة الّتى هي كالبذور يوجد عالم الطّبع وعالم الطّبع في بقائه محتاج الى ذينك الوالدين ، هذا في العالم الكبير وامّا في العالم الصّغير الانسانىّ فبعد تسويته يوجد آدم الصّغير وحوّاء الصّغرى بازدواج العقل والنّفس وبازدواجهما يولد بنو آدم وذرّيّتهما ، وبازدواج الشّيطان والنّفس الامّارة يولد بنو الجانّ وذرّيّة الشّيطان ؛ هذا بحسب التّكوين في العالمين ، وامّا بحسب الاختيار والتّكليف وهو مختصّ بالإنسان الضّعيف فقد جرت السّنّة الإلهيّة ان يكون توليد المواليد الاختياريّة من القلب ومراتبه وجنوده الخلقيّة والعلميّة والعيانيّة بتعاضد نفسين مأذونتين من الله وايصالهما اثر الأمر الإلهيّ الى المكلّف بتعاضدهما لتطابق التّكليف والتّكوين فانّ الأوامر التّكليفيّة متسبّبة عن الأوامر التّكوينيّة وموافقة لها ، وان لم ندرك في بعضها كيفيّة التّوافق لعدم العلم بالتّكوين وتلك السّنّة كانت جارية من لدن آدم (ع) الى زماننا هذا وتكون باقيّة الى انقراض العالم ، وان لم يبق لها اثر ولا بين العامّة منها ذكر ولا خبر. فانّ صحّة الإسلام في الصّدر ودخول الايمان في القلب ما كان الّا بتعاضد شخصين يكون أحدهما مظهرا للعقل الكلّىّ والآخر مظهرا للنّفس الكلّيّة وأخذ هما البيعة العامّة النّبويّة أو البيعة الخاصّة الولويّة بالكيفيّة المخصوصة والميثاق المخصوص : انا وعلىّ (ع) أبوا هذه الامّة يهديك ؛ كلّ نفس معها سائق وشهيد يشهد لك ، (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي) يكفيك فمحمّد (ص) وعلىّ (ع) مظهرا العقل والنّفس الكلّيّين وبالبيعة على أيديهما يتولّد جنود العقل الاختياريّة ، واعداؤهما مظاهر الجهل والنّفس الامّارة الكلّيّين وبالبيعة على أيديهم يتولّد جنود الجهل الاختياريّة ، وقد فسّر المعصومون (ع) الوالدين في القرآن بمحمّد (ص) وعلىّ (ع) وفسّروا ان جاهداك على ان تشرك بى ما ليس لك به علم بالجبت والطّاغوت ، ويسمّى الصّوفيّة مظهر العقل بالمرشد ومظهر النّفس بالدّليل وبلسان الفرس «پير إرشاد وپير دليل» وبحسب تفاوت مظهريّتهما وتصرّفهما يكون أحدهما مظهرا لاسم الله أو الرّحيم والآخر مظهرا لاسم الرّحمن وباعتبار هذه المظهريّة والاثنينيّة قال تعالى : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) فانّ التّخيير والتّرديد ليس باعتبار اللّفظين فانّهما آلتا الدّعوة وليسا مدعوّين ولا مفهومى اللّفظين فانّهما أيضا عنوانا المدعوّين والمدعوّ لا محالة امر حقيقىّ لا امر ذهنىّ ، والذّات الاحديّة الّتى هي مصداق ذينك اللّفظين لا تكثّر فيه فلا بدّ وان يكون المدعوّ أمرين يكونان مظهرين لمفهومى هذين الاسمين حتّى يصحّ هذا التّرديد لا يقال : المراد ادعوا الذّات الاحديّة بلفظ الله أو بلفظ الرّحمن لانّه يقال : ظاهر اللّفظ غير هذا والحذف والإيصال في مثل هذا شاذّ ينافي الفصاحة وتكرار ادعوا ينافيه وجعل ادعوا بمعنى سمّوا أيضا بعيد ، فالمراد ادعوا مظهر اسم الله أو ادعوا مظهر اسم الرّحمن ، والدّعوة هي طلب المدعوّ للورود على الدّاعى والحضور عنده امّا لانّ المطلوب منه حضور ذاته عنده أو أمر غير ذاته يحصل من حضور ذاته وليس معناها مسئلة شيء من المدعوّ حاضرا كان أم غائبا وبهذا وأمثاله استشهد الصّوفيّة على انّ المطلوب من دعاء الله أو دعاء مظاهره هو حضور المدعوّ عند الدّاعى ويسمّونه حضورا وفكرا.
تحقيق تمثّل صورة الشّيخ عند السّالك
وبعضهم يقولون : لا بدّ ان يجعل السّالك صورة الشّيخ نصب عينيه ويسمّون هذا الجعل والتّصوير حضورا ويستشهدون بمثل ما ورد من قوله (ع): وقت تكبيرة الإحرام تذكّر رسول الله (ص) واجعل واحدا من الائمّة نصب عينيك ؛ ولكنّه بعيد عن الطّريق المستقيم