بنى إسرائيل (بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ) ان كان المراد بربّهم الرّبّ المطلق فالمراد باللّقاء لقاء جزائه وحسابه وحسّابه ، وان كان المراد به الرّبّ المضاف وهو ربّهم في الولاية فالمراد باللّقاء لقاء ملكوت ذلك الرّبّ وهو ادنى مراتب اللّقاء والمعرفة بالنّورانيّة وفوقه لقاء جبروته بمراتبها ، يعنى آتينا موسى الكتاب للدّعوة الظّاهره حتّى يستعدّوا بقبول تلك الدّعوة لقبول الدّعوة الباطنة ، ويستعدّوا بقبول تلك الدّعوة لفتح باب القلب ويشاهدوا بفتح باب القلب صورة ولىّ الأمر بملكوته ، وهو لقاء ربّهم الّذى هو ولىّ أمرهم وبهذا اللّقاء يحصل الفوز بالرّوح والرّاحة والأمن والامان والسّلامة من حوادث الزّمان والنّجاة من مضيق المكان ؛ والى هذا اللّقاء أشار من قال :
كرد شهنشاه عشق در حرم دل ظهور |
|
قد ز ميان برفراشت رأيت الله نور |
وقد فسّر السّكينة في الاخبار بما يدلّ على ظهور ملكوت ولىّ الأمر في القلب حيث ورد ، انّها ريح تفوح من الجنّة لها وجه كوجه الإنسان ، فانّ الملكوت من الجنّة ، وكونها ذات وجه كوجه الإنسان يدلّ على انّها من الّذوات الجوهريّة الملكوتيّة لكونها من الجنّة لا ما يفهم من لفظ الرّيح ، ويسمّى في عرف الصّوفيّة ظهور ملكوت ولىّ الأمر على قلب الإنسان بالسّكينة كما يسمّى بالفكر والحضور ، وهذا اللّقاء هو المراد بما يقولون : لا بدّ للسّالك ان يجعل صورة المرشد نصب عينيه ، يعنى ينبغي ان يصفو نفسه بالعبادات حتّى يظهر في قلبه ولىّ امره فيكون مع الصّادق معيّة حقيقيّة لا ما يتوهّم من ظاهر اللّفظ من انّه لا بدّ ان يتعمّل ويتصوّر صورة مخلوقة له مردودة اليه ، وقد ورد منهم ، وقت تكبيرة الإحرام تذكّر رسول الله (ص) واجعل واحدا من الائمّة نصب عينيك ؛ وعلى هذا كان المراد بالايمان هاهنا الايمان الشّهودىّ لا الايمان بالغيب (وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ) كثير الخير والنّفع لانّ البركة الزّيادة والنّماء في الخير وهو كلمة جامعة لكلّ ما ذكر في وصف كتاب موسى (ع) مع شيء زائد وهو تعميم البركة لكلّ ما يتصوّر فيه البركة ، وفي لفظ أنزلنا دون آتينا دلالة على شرافة هذا الكتاب كأنّ كتاب موسى (ع) كان من سنخ هذا العالم فآتاه الله ، والقرآن كان في مقام أعلى من هذا العالم فأنزل الله الى هذا العالم السّفلىّ وآتاه محمّدا (ص) (فَاتَّبِعُوهُ) حتّى تفوزوا من اتّباعه بولىّ أمركم واتّباعه فانّ فيه حجّته وباتّباعه تفوزون بفتح باب القلب وبفتحه نزول الرّحمة من الله وادنى مراتب حقيقة الرّحمة هو ملكوت ولىّ الأمر (وَاتَّقُوا) مخالفة ما فيه (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) بلقاء ملكوت ولىّ أمركم فانّ دار الشّياطين هي حقيقة سخط الله والدّنيا هي مظهر رحمته وسخطه معا والملكوت العليا هي حقيقة رحمته المتجوهرة وكذا الجبروت والمشيّة ، وفي الاقتصار على لفظ ترحمون هنا والإتيان بقوله (بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) هناك دلالة على شرافة هذا الكتاب كما لا يخفى (أَنْ تَقُولُوا) يعنى أنزلنا الكتاب كراهة ان تقولوا بعد ذلك أو في القيامة أو لئلّا تقولوا كذلك أو كراهة هذا القول الواقع منكم على سبيل الاستمرار. اعلم ، انّ مثل هذه العبارة كثيرة في الكتاب والسنّة وجارية على السنة العرف والمقصود من مثلها انّ هذا القول كان واقعا منكم وصار وقوع هذا القول سببا لانزال الكتاب لكراهتنا وقوع هذا القول منكم ولئلّا يصدر مثله بعد منكم ، ولمّا كان صدور هذا القول سببا لكراهته ، وكراهته لهذا القول الصّادر سببا لانزال الكتاب ، وإنزال الكتاب سببا لمنع هذا القول صحّ تفسيره بكراهة ان تقولوا ، وبقولهم لئلّا تقولوا ، ولكن لا حاجة الى تقدير الكراهة أو تقدير لا وعلى هذا كان المعنى أنزلنا الكتاب لكثرة ما كنتم تقولون إظهارا للعذر في تقصير كم في العبادات وتحسّرا على كونكم أمّيّين (إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ