ربّا الى نفسه وذكر مفاسده وعرّض بهم (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ) يوم القيامة نسب الرّجوع إليهم دون نفسه تنبيها على التّعريض بحيث لا يمكنهم ردّه (فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) وهو الدّين الّذى فرّقتموه على اهويتكم أو اختلفتم في بطلانه وحقّيّته ، وفيه تعريض بالامّة كأنّه قال فتنبّهوا يا أمّة محمّد (ص) فلا تختلفوا بعده في الدّين الّذى أتمّه بولاية علىّ (ع) (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ) عطف على قوله هو ربّ كلّ شيء أو حال معمول لواحدة من الجمل السّابقة وتعليل آخر لانكار ابتغاء غيره ربّا وبيان لكيفيّة ربوبيّته بما فيه غاية الانعام على طريق الحصر ، يعنى هو الّذى جعلكم خلائف الأرض لا غيره الّذى هو مربوب والمقصود انّه جعلكم خلائفه في ارض العالم الكبير بان أعطاكم قوّة التّميز والتّصرّف فيها باىّ نحو شئتم وأباح لكم التّصرّف فيها ، وفي ارض العالم الصّغير بان مكّنكم فيها وجعل لكم فيها كلّ ما جعل لنفسه من الجنود والحشم وسخّرها لكم مثل تسخّرها لنفسه ، وهذه هي غاية الانعام حيث خلقكم على مثاله (وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ) ايّها المرفوعون (فِي ما آتاكُمْ) من جاهكم ومالكم وقواكم وبسطكم واحتياج غير المرفوعين إليكم كيف تعاملون مع أنفسكم ومع الله بأداء الشّكر وصرف النّعمة في وجهها ومع المحتاجين بإيصال حقوقهم إليهم ، فعلى هذا كان الخطاب للمرفوعين ، أو يكون الخطاب للمرفوعين وغيرهم جميعا ، فانّ المحتاج مبتلى بحاجته كما انّ المرفوع مبتلى بالمحتاج (إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ) استيناف من الله وخطاب لمحمّد (ص) أو خطاب عامّ وجواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : ما يريد بالابتلاء؟ ـ فقال : يريد عقوبة المسيء ورحمة المحسن منهم لانّ ربّك سريع العقاب ، وتقديم العقاب لقصد ختم السّورة بالرّحمة رحمة بهم (وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) عن الصّادق (ع) انّ سورة الانعام نزلت جملة واحدة شيّعها سبعون الف ملك حتّى نزلت على محمّد (ص) فعظّموها وبجّلوها فانّ اسم الله فيها في سبعين موضعا ، ولو يعلم النّاس ما في قراءتها ما تركوها وكفى به فضلا.