الجزاء وتضعيف العقاب (قُلْ) لهم موادعة وتعريضا بنصحهم با بلغ وجه (إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي) فلا حاجة لي إليكم ولا تعرّض لي بكم فأنتم وشأنكم (إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) هو صراط القلب وهو الولاية التّكوينيّة وبالولاية التّكليفيّة الحاصلة بالبيعة الخاصّة الولويّة ينفتح صراط القلب ، وهما ظهور الولاية المطلقة ونازلتها والولاية المطلقّة متّحدة مع علىّ (ع) وعلويّته ، فصحّ تفسير الصّراط بالولاية تارة وبعلىّ (ع) اخرى (دِيناً قِيَماً) الدّين قد مضى قبيل هذا تحقيقه ، والقيّم الدّين الّذى لا اعوجاج له (مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) إظهار لنصحهم بانّ دينه دين إبراهيم الّذى لا اختلاف لهم في حقيّته (حَنِيفاً) الحنيف المستقيم والصّحيح الميل الى الإسلام الثّابت عليه وكلّ من حجّ أو كان على دين إبراهيم (ع) وهو حال من مفعول هداني أو صفة دينا أو حال منه أو من المستتر في قيما أو من ملّة إبراهيم (ع) ، والتّذكير باعتبار معنى الملّة وهو الدّين أو من إبراهيم على ضعف جعل الحال من المضاف اليه من دون كون المضاف عاملا ، أو في حكم السّقوط (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) عطف على حنيفا أو حال من المستتر فيه أو حال بعد حال بناء على انّ حنيفا حال من إبراهيم (ع) وهو تعريض بانّهم مخالفون لإبراهيم (ع) في شركهم فهم مبطلون لانّ إبراهيم (ع) كان محقّا بالاتّفاق (قُلْ) بعد نفى الشّرك الصّورىّ عن نفسك نفيا للشّرك المعنوىّ تأكيدا لنفى الشّرك الصّورىّ (إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي) تعميم بعد تخصيص اهتماما بالخاصّ فانّه عمود الدّين وأصل كلّ نسك (وَمَحْيايَ وَمَماتِي) يعنى انّ أفعالي التّكليفيّة الاختياريّة وأوصافي التّكوينيّة الالهيّة خالصة من شوب مداخلة النّفس والشّيطان (لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ) تعميم بعد تخصيص وتأكيد لما يفهم التزاما فانّه إذا لم يكن في أفعاله وأوصافه شريك لله لم يكن في وجوده شريك لله ، وإذا لم يكن في وجوده شريك لله لم ير في العالم شريكا لله ، لانّ رؤية الشّريك في العالم يقتضي السّنخيّة بين الرّائى والمرئىّ الّذى هو العالم الّذى فيه شريك ، والسّنخيّة تقتضي الشّريك لله في وجوده وكون الشّريك في وجوده يقتضي الشّريك في صفاته (وَبِذلِكَ أُمِرْتُ) تعريض بهم بانّ شركهم غير مبتن على امر (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) لانّ كلّ من أخلص ذاته وصفاته وأفعاله وجميع ماله لله تعالى ، فهو مقدّم على الكلّ وخاتم سلسلة الصّعود وأقرب الصّاعدين الي ، وهو اوّل من اقرّ في الّذرّ بالوحدانيّة كما ورد في الخبر ولانّه اوّل من اتّصف بدين الإسلام (قُلْ) لهم إنكارا لابتغاء غير الله ربّا مع اقامة الدّليل على ذلك الإنكار بانّ غيره مربوب تعريضا بمن أخذ غيره ربّا (أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ) وغيره مربوب فما حالكم إذا انحرفتم عن الرّبّ وجعلتم المربوب ربّا (وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها) هذا ممّا استعمل فيه سلب الإيجاب الكلّىّ في السّلب الكلّىّ ومثله كثير في الآيات والاخبار واستعمال العرب ، والمقصود انّ ابتغاء غير الله ربّا مع كونه مربوبا وبال لا محالة ولا يمكنني طرح هذا الوبال على غيري ، لأنّه لا تكسب كلّ نفس ما تكسب ممّا هو وبال الّا عليها يعنى كسبكم الوبال باتّخاذ غير الرّبّ ربّا وبال عليكم (وَ) لا يمكن غيري ان يحمل وبالي عنّى لانّه (لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) هذه مجادلة بالّتى هي أحسن بحيث لا يورث شغبا (١) ولجاجا للخصم حيث نسب ابتغاء غير الله
__________________
(١) ـ الشّغب بالسّكون وقد يحرّك وقيل لا يحرّك ـ أصل تهييج الشرّ.