فعلى قراءة فرّقوا ، فالمعنى انّ الّذين فرّقوا دينهم الّذى هو ما وصل إليهم من طريق القلب بالولاية التّكوينيّة من فيض العقل على الاهوية الفاسدة أو ما وصل إليهم من هذا الطّريق بالولاية التّكليفيّة من الايمان الّذى دخل في قلوبهم على الأغراض الكاسدة والمهامّ المتبدّدة ، فانّ الإنسان إذا صار مقبلا على النّفس والدّنيا كان يفرّق كلّما يصل اليه من جهة الآخرة على جهات النّفس ونعم ما قيل :
أنصتوا يعنى كه آبت را بلاغ |
|
هين تلف كم كن كه لب خشك است باغ |
أو المعنى فرّقوا دينهم وبعّضوه بان آمنوا ببعض وكفروا ببعض ، أو المعنى افترقوا في دينهم بان اختار كلّ منهم دينا غير دين الآخر ، كما ورد من افتراق الامّة على ثلاث وسبعين فرقة ، وقرئ فارقوا دينهم اى فارقوا ولايتهم التّكوينيّة من الغفلة التامّة عن طريق القلب أو فارقوا ولايتهم التّكليفيّة بالهجرة والغفلة عن ذكرهم الّذى دخل في قلوبهم أو فارقوا عليّا (ع) كما علمت ، وكما ورد في الخبر انّ الآية فارقوا دينهم وانّ المراد المفارقة عن علىّ (ع) (وَكانُوا شِيَعاً) متفرّقة يشيع كلّ منهم هوى أو غرضا أو إماما باطلا أو يصير كلّ منهم مشايعا لا هوية عديدة أو أغراض عديدة أو ائمّة عديدة بجعل كلّ واحد كأنّه فرق مختلفة كما قال تعالى : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ) وكما قيل بالفارسية : «ترا يكدل دادم كه در ان يك دلبر گيرى نه آنكه آن يكدل را صد پاره كنى وهر پاره را دنبال مهمّى آواره» (لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) اى لست متمكّنا منهم في شيء من التّمكّن فانّ تمكّنك امّا بتمكّن صورتك الملكوتيّة في قلوبهم ، أو بتمكّن الذّكر الّذى أخذوا منك بالولاية التّكليفيّة في قلوبهم ، أو بتمكّن الانقياد الّذى أخذوه منك بالبيعة العامّة في صدورهم فانّ الكلّ من شؤنك ونازلتك ، أو لست من شفاعتهم في شيء ، أو لست من مسائلتهم ومحاسبتهم أو عذابهم في شيء ، أو لست من مجانستهم في شيء ومرجع الكلّ الى تمكّنه (ص) في قلوبهم بأحد الوجوه المذكورة ، ولفظة منهم خبر لست أو حال مقّدم من شيء ، وكلمة من بيانيّة أو ابتدائية أو تبعيضيّة (إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ) لانّك لست ولىّ أمرهم بانحرافهم عنك فأمرهم وحكمهم مفوّض أو راجع الى الله (ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ) في تفرّقهم فيجازيهم على حسبه (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) الحسنة وصف من الحسن والتّاء فيه للنّقل من الوصفيّة الى الاسميّة ، فانّها صارت اسما لأشياء مخصوصة ورد عن الشّريعة حسنها أو للتّأنيث في الأصل بتقدير الخصلة الحسنة ، وحقيقة الحسن هي الولاية المطلقة وهي علىّ (ع) بعلويّته والنّبوّات وأحكامها القالبيّة والولايات الجزئيّة وأحكامها القلبيّة اظلال الولاية المطلقة وقبول النّبوّات والولايات أيضا ظلّها ، وكلّ فعل وقول وخلق كان من جهة الولاية كان حسنا بحسنها لكونه ظلّها أيضا ، ويعلم السّيّئة بالمقايسة الى الحسنة فاصل السّيّئة اتّباع النّفس المعبّر عنه بولاية أعداء آل محمّد ومخالفيهم. واعلم ، انّ الإنسان مفطور على السّير الى الآخرة ودار النّعيم وحيازة درجاتها ، فاذا فرض عمل يعينه على سيره وعمل آخر مثل هذا العمل يقسره على الحركة الى الجحيم والى خلاف فطرته ، فاذا كان تحريك العمل الى جهة خلاف الفطرة درجة مثلا كان تحريك العمل الموافق للفطرة أزيد من تحريك العمل المخالف للفطرة بمراتب عديدة ، واقلّها عشر درجات وأكثرها لا حدّ لها بتفاوت استعداد الأشخاص وهذا نظير تحريك الحجر هابطا وصاعدا بقوّة واحدة ، فانّ الهابط يكون أسرع حركة من الصّاعد (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَهُمْ) اى المحسنون والمسيئون (لا يُظْلَمُونَ) بنقص