لحصول العقل أو بالفعل بالإسلام والايمان وهكذا في بواقى الأقسام فقوله : ولا تفسدوا في الأرض ، من قبيل اقامة المسبّب مقام السّبب كأنّه قال : لا تتركوا الدّعاء والالتجاء والتّضرّع عليه فتفسدوا في الأرضين بعد شأنيّة اصلاحهما أو بعد فعليّة اصلاحهما ولكون هذا الدّعاء هو غاية كلّ عبادة وطاعة كرّره بذكر جهة اخرى من جهات الدّعاء فقال (وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً) مصدران أو حالان كما سبق والمعنى خوفا من فراقه وعدم اجابته وطمعا في لقائه واجابته ، وسائر الوجوه المحتملة راجعة الى هذا ، أو ضعيفة بحسب مقام دعوة الرّبّ ؛ كخوف سخطه وخوف عقابه وخوف ردّه وخوف عدله وخوف ميزانه وخوف خذلانه والخوف من جلاله فانّ من استشعر في حضور الملوك جلالهم استشعر خوفا وهيبة في نفسه من غير استشعار بسبب لتلك الهيبة ، واستعمال الطّمع للاشارة الى انّ الإنسان لا بدّ وان يكون مترقّبا للقاء الرّبّ ورحمته من غير نظر الى حصول أسبابه من قبله أو من قبل الله فانّ فعل الله لا يناط بالأسباب ، لانّ الطّمع هو ترقّب حصول الشّيء من غير تهيّة سبب لحصوله بخلاف الرّجاء ولمّا أو هم ذكر الطّمع قرينة للخوف ترجيح جانب الرّجاء وعدم الاناطة بسبب وشرط واستواء نسبة الرّحمة الى الكلّ بحسب القابل كما هو كذلك بحسب الفاعل ، رفع ذلك بقوله (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) تعليلا للخوف والطّمع ، يعنى انّ رحمته من جهة الفاعل وان كانت مستوية النّسبة الى الكلّ غير موقوفة على سبب وشرط لكنّها من جهة القابل متفاوتة النّسبة فليخف غير المحسن ولا يتّكل على عموم رحمته واستواء نسبتها وليطمع المحسن وليجدّ في طلب لقائه ، وتذكير قريب بتأويل الرّحمة بالرّحم أو بتشبيهه بالفعيل بمعنى المفعول (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً) قرء بالنّون وبالباء جمعا للنّشور والبشير وبالضمّتين على الأصل وبإسكان العين تخفيفا وبالفتح كالنّصر مصدرا وهو عطف على قوله ، انّ ربّكم الله الّذى خلق السّماوات ، وهو لبيان الاعادة بطريق التّمثيل كما انّ الاوّل لبيان الإبداء والتّدبير (بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) يعنى المطر ، فانّه يسمّى بالرّحمة في العرف ولا يخفى تعميم الرّياح والرّحمة وان كان التّمثيل بحسب ظاهر التّنزيل (حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالاً) بالاجزاء الرشّية المائيّة ، جمع الوصف وافراد الضّمير في (سُقْناهُ) باعتبار معنى الجنس ولفظه (لِبَلَدٍ) اليه أو لسقيه أو لا حيائه (مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا) في ذلك البلد الميّت (بِهِ الْماءَ) اى بالسّحاب أو الضّمير راجع الى البلد والباء بمعنى في (فَأَخْرَجْنا بِهِ) بالماء أو بالسّحاب أو بالبلد (مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ) اى كما ترون من نشر الرّياح وحمل السّحاب وسوقه الى البلد الميّت واحيائه بإخراج الثّمرات (نُخْرِجُ الْمَوْتى) عن الحيوة الحيوانيّة أو عن الحيوة الحقيقيّة الانسانيّة بنشر الرّياح المختلفة وسوق سحاب الرّحمة باعداد الرّياح المختلفة من الاستحالات والانقلابات والانتقالات والبلايا والامتحانات ، وتهييج الشّهوات وإيذاء السّخطات ووسوسة الشّياطين الجنّيّة والانسيّة ، وإذا هم الّذى عاهدناهم عليه بقولنا (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً) حتّى ينزعجوا عن قبر الطّبع الجمادىّ أو النّفس النّباتيّة أو النّفس الحيوانيّة ويحيوا بالحيوة الانسانيّة ويخرج في ارض وجودهم كلّ الثّمرات الالهيّة (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) غاية للممثّل به أو للمثل أو للتّمثيل (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ) كأنّه استدراك لما توهّم من تساوى البلاد في خروج النّبات منها وتساوى الأموات في كيفيّة الأحياء وحالة الحيوة ، كأنّه قال ولكنّ البلد الطّيّب يخرج نباته بإذن ربّه يعنى يخرج جميع ما يمكن ان ينبت فيه ، فانّه المستفاد منه بحسب مخاطبات العرف خصوصا مع