الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ) تسفيه العقل في الانظار أقبح من نسبة الضّلالة (وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ) كأنّه كان معروفا بينهم بالامانة ولذا توسّل به (أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً) ذكّرهم بنعم الله عليهم بعد تذكيرهم ضمنا بنقم الله على قوم نوح تخويفا لهم من زوالها بأحسن وجه (فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ) تعميم بعد تخصيص تأكيدا (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) عن الصّادق (ع) انّه قال : أتدري ما آلاء الله؟ ـ قيل: لا ، قال : هي أعظم نعم الله على خلقه وهي ولايتنا (قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) جعلوا لغاية سفههم مقلّدات آبائهم علوما قطعيّة ولذلك تحدّوا بما ذكر (قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ) اى عذاب أتى بقد والماضي تحقيقا لتحقّقه ، أو للاشارة الى انّ ما هم عليه من السّفاهة والضّلالة والمجادلة مع رسول الله (ص) عذاب اليم ، لكنّهم لا يدركون ألمه لكون مداركهم خدرة (وَغَضَبٌ) أخّر الغضب مع انّه بالتّقديم اولى لتقدّمه ذاتا وشرفا ، لانّه لا يظهر الّا بالرّجس المسبّب عنه فالرّجس أسبق ظهورا منه (أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ) اعلم ، انّ الاسم ما يدلّ على شيء آخر بحيث لا يكون حين الدّلالة على المسمّى منظورا اليه ومقصودا ومحكوما عليه بشيء ، سواء كان ذلك الدّالّ لفظا أو نقشا أو مفهوما ذهنيّا أو ذاتا خارجيّا مثل لفظ زيد ، فانّه اسم للّذات المعيّنة المخصوصة وإذا أريد دلالته على تلك الّذات في قولنا : جاء زيد ، لم يكن ذلك اللّفظ منظورا اليه ولا محكوما عليه بهذا الاعتبار ، بل النّظر والقصد الى تلك الّذات بحيث يكون اللّفظ مغفولا عنه ، وبهذا الاعتبار هو اسم للّذات ولا يحكم عليه بشيء من الأحكام ، وإذا اعتبر هذا اللّفظ من حيث اعتباره في نفسه مع قطع النّظر عن اعتبار دلالته على المسمّى بل من حيث انّه مركّب عن حروف ثلاثة متحرّك الاوّل ساكن الأوسط يصير حينئذ محكوما عليه ومنظورا اليه ومسمّى باسم اللّفظ والموضوع والاسم المقابل للفعل ، وهذان الاعتباران كما هما ثابتان للألفاظ الدّالّة والأسماء اللّفظيّة كذلك ثابتان لكلّ ما يدلّ على غيره من الّذوات ، ثمّ اعلم ، انّ جميع الأشياء من الّذوات النّوريّة الملكيّة والظّلمانيّة الطّبيعيّة والشّيطانيّة آثار صنعه تعالى ودوالّ وحدته وعلمه وقدرته ومظاهر جوده ولطفه وقهره ، وهي بهذا الاعتبار أسماؤه ولا حكم لها ولا اسم ولا رسم وليست مسمّيات وهي بهذا الاعتبار قضاؤه ؛ والرّضا بها واجب وعبادتها عبادة الله ومحبّتها محبّة الله لأنّها غير منظورات ولا مقصودات بهذا الاعتبار ، وإذا جعلت منظورا إليها ومحكوما عليها ومسمّيات بأسمائها الخاصّة كانت بهذا الاعتبار مقابلات له تعالى وثواني ولم تكن دوالّ ذاته وعلمه وقدرته بل كانت حينئذ مدلولات ومسمّيات ومقضيّات ، والنّظر إليها وعبادتها والرّضا بها كفر وشرك والنّاظر ملوم ومذموم ، وبهذا الاعتبار ورد : الرّضا بالكفر كفر. ثمّ اعلم ، انّ الإنسان ما لم يخرج من بيت نفسه ولم يهاجر الى رسول صدره ولم يتوجّه الى نبىّ قلبه بإعانة ولىّ امره لا يمكن له النّظر الى الأشياء من حيث انّها دوالّ ذاته تعالى بل لا يرى في الوجود الّا الأشياء المتكثّرة المقابلة للوحدة مستقلّات مدلولات مسمّيات وان كانت بحسب الواقع ونفس