بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ فَعَقَرُوا النَّاقَةَ) بتحريك بعضهم ورضا بعض وعقر بعض (وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ) على لسان صالح وهو قوله فذروها تأكل في ارض الله أو عن مطلق امره على لسان نبيّه ولم يطيعوه في شيء منه ، أو عن امر ربّهم الّذى هو العقل وحكمه فانّه امر تكوينىّ (وَقالُوا) تجرّيا على الرّبّ ورسوله (يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) الزّلزلة ولا ينافيها قوله تعالى (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ) كما في سورتي هود والحجر لانّ الزّلزلة كانت مسبّبة عن الصّيحة (فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ) ملزقين بالأرض والجثوم اللّزوم بالمكان (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ) بعد ما ابصرهم صرعى ، والإتيان بالمضارع في قوله (وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ) لتصوير المضىّ حالا إحضارا له واشارة الى انّ هذا كان ديدنهم كأنّه لا ينفكّ عنهم حتّى بعد الموت ، أو المعنى فتولّى عنهم بعد إتمام الحجّة عليهم والإتيان به مصدّرا بالفاء بعد ذكر إهلاكهم لانّه تفصيل لسبب الإهلاك ومن قبيل عطف التّفصيل على الإجمال (وَقالَ) تحسّرا أو تبرّيا (يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ) قصّة صالح وناقته وكيفيّة خروجها باقتراحهم عن الجبل ومتاركته مع قومه وكيفيّة عقر النّاقة وإهلاكهم مذكورة في المفصّلات (وَلُوطاً) عطف على نوحا ولوط (ع) كان ابن خالة إبراهيم (ع) وكانت سارة زوجة إبراهيم (ع) أخت لوط وخرج إبراهيم (ع) من بلاد نمرود الى الشّام ومعه لوط وسارة وخلّف لوطا بأدنى الشّامات للدّعوة وذهب هو الى أعلى الشّامات (إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ) في الدّعوة والمعاشرة لا في النّسب والملّة (أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ) المعهودة وهي إتيان الرّجال والاعراض عن النّساء (ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً) صرّح بما كنّى عنه اوّلا تفضيحا وتوبيخا ولذلك أتى به مؤكّدا بتوكيدات توكيدا للتّوبيخ (مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) يعنى لستم عادلين بل أنتم قوم مسرفون ، فهو من قبيل العطف باعتبار المعنى (وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ) يعنى ما كان لهم جواب يصلح لمقابلة محاجّته ونصحه ولذا عدلوا عن المحاجّة اللّسانيّة الى المغالبة القالبيّة وعلّلوه بما هو دليل صحّة نصحه ، فقالوا (إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ) من الفواحش وأمثال أفعالنا (فَأَنْجَيْناهُ) بعد إتمام الحجّة عليهم (وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ) فانّها كانت تسرّ الكفر وتوالى أهل القرية (كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً) عجيبا وهو امطار الحجر (فَانْظُرْ) يا محمّد (ص) أو يا من يمكن منه النّظر (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) في الخبر انّ لوطا (ع) لبث في قومه ثلاثين سنة وكان نازلا فيهم ولم يكن منهم يدعوهم الى الله وينهاهم عن الفواحش ويحثّهم على الطّاعة ، فلم يجيبوه ولم يطيعوه وكانوا لا يتطهّرون من الجنابة بخلاء اشحّاء على الطّعام فاعقبهم البخل الدّاء الّذى لا دواء له في فروجهم ، وذلك انّهم كانوا على طريق السّيّارة الى الشّام ومصر وكان ينزل بهم الضّيفان فدعاهم البخل الى ان كانوا إذا نزل بهم الضّيف فضحوه ، وانّما فعلوا ذلك لينكل النّازلة عليهم من غير شهوة لهم الى ذلك فأوردهم البخل هذا الدّاء حتّى صاروا يطلبونه من الرّجال ويعطون عليه الجعل ، وكان لوط (ع) سخيّا كريما يقري الضّيف إذا نزل بهم فنهوه عن ذلك ، فقالوا لا تقر ضيفانا تنزل بك فانّك ان فعلت فضحنا ضيفك فكان لوط (ع) إذا نزل