به الضّيف كتم امره مخافة ان يفضحه قومه وذلك انّه لم يكن للوط (ع) عشيرة فيهم (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً) نقل انّهم كانوا أولاد مدين بن إبراهيم (ع) وشعيب كان منهم وسمّوا باسم جدّهم وسمّيت قريتهم به أيضا وهي لا تكمل أربعين بيتا (قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) والبيّنة هي محاجّته الواضحة الّتى لا يمكنهم ردّها لانّها كانت ممّا يرتضيها كلّ ذي شعور خال عن اللّجاج ، فانّ معرفة الرّسول برسالته اولى من معرفته بالمعجزة أو معجزة كانت له مثل معجزة صالح ولكن لم تذكر لنا (فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ) يعنى بعد إتيان البيّنة لا عذر لكم في عدم قبول قولي فتقبّلوه وأوفوا الكيل والميزان والإيفاء أداء تمام ما حقّه ان يؤدّى والمراد إيفاء ما يتقدّر بالكيل والوزن نسب إليهما لاستلزام نقصان المكيل نقصان الكيل وكذا الموزون وما يوزن به كما نسب النّقص إليهما في محلّ أخر ، ولا يخفى عليك تعميم الكيل والميزان للمحسوس منها وغيره من الأنبياء والأولياء وأخلاقهما وسننهما وآدابهما ومن الكتب السّماويّة والشّرائع الالهيّة ، وهكذا التّعميم في العالم الكبير والصّغير (وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ) امّا تأكيد لايفاء الكيل والميزان على ان يكون المراد بالأشياء هي المكيلات والموزونات أو يكون المراد بالمكيل والموزون هو مطلق الأشياء بناء على تعميم الكيل والميزان ، فانّه ما من شيء جسمانىّ أو غير جسمانىّ الّا يمكن فيه تحديد أو تعميم بعد تخصيص على ان يكون المراد بالمكيل والموزون المتقدّرين بالآلة المخصوصة ، أو تأسيس وتفصيل مع سابقه لكيفيّة المعاشرة على ان يكون المراد ببخس النّاس أشياءهم أخذ الزّيادة عن الحقّ منهم ، أو تخصيص بعد تعميم بناء على تعميم الكيل والوزن حتّى يكون اعمّ من المعاملة مع النّاس ومن المعاملة مع الله ويكون شاملا لجميع الأشياء وتخصيص البخس بالنّاس أو بينهما عموم من وجه بناء على تخصيص الكيل والميزان بما يتقدّر بهما سواء كان المعاملة مع الله أو مع النّاس وتعميم الأشياء وتخصيص البخس بالنّاس (وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) تعميم بعد تخصيص كسابقه أو تأسيس على ان يكون المراد بالإفساد اهراق الدّماء وإلقاء العداوة بين العباد والأسر والنّهب والتّعدّى عليهم ومنع جميع الحقوق من أهلها واعطائها لغير أهلها ، أو على ان يكون المراد بالإفساد هو منع العباد من طريق الآخرة وهو طريق الولاية فيكون قوله : (وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ) تفسيرا له ، والمراد بالأرض اعمّ من ارض العالم الصّغير والعالم الكبير (بَعْدَ إِصْلاحِها) بالعقل في الصّغير وبالأنبياء وأوصيائهم في الكبير ، والمراد بهذا القيد بيان انّ الواقع هكذا والاشعار بغاية قبح الإفساد لا التّقييد به (ذلِكُمْ) المذكور من الإيفاء وترك البخس والإفساد (خَيْرٌ لَكُمْ) ممّا تزعمونه خيرا من جلب النّفع بالتّطفيف والإفساد ، أو المراد مطلق الفضل لا التّفضيل فانّه كثيرا ما يستعمل من غير ارادة التّفضيل (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) معتقدين بالله والآخرة شرط تهييج بناء على كون ايمانهم بالله مقطوعا به للمتكلّم والمخاطب بحسب إقرارهم ، أو شرط تقييد بناء على كونه مشكوكا فيه أو منزّلا منزلة المشكوك سواء قدّر الجزاء موافقا لاوفوا (الى آخره) أو موافقا لقوله : (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ) وعلى التّقييد يكون بمفهومه تهديدا لهم يعنى ان لم تكونوا مؤمنين فافعلوا ما شئتم أو فليس ذلكم خيرا لكم بل لم يكن حينئذ فرق بينه وبين ضدّه لكم (وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ) اخّره عن قوله : (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ) اشارة الى عدم تسويته مع ما سبق في القبح وانّه لا يتصوّر فيه خير