فيها افتراء ابطالها ، أو باعتبار ابطال ملّته بعد الدّخول أو باعتبار الكلّ (بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْها) وفي إتيان نجّينا دون أخرجنا دلالة على انّه (ع) لم يكن على ملّتهم ، ولمّا كان المفهوم من قولهم (أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) بحسب المقام تهديدهم بإجبار العود لم يكتف في الجواب بقوله (أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ) وأتى بما يدلّ على انّهم لا يقدرون على الإجبار الّا إذا شاء الله ليكون ردّا عليهم وإظهارا لدعوى التّوحيد بوجه آخر فقال (وَما يَكُونُ لَنا) يعنى ما يمكن لنا فلا يمكن لكم إجبارنا أيضا (أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّنا) التّوصيف للاشارة الى انّ له التّصرّف والتّعريض بعدم جواز تصرّف الكفّار في وجودهم ليصير كالعلّة لتعلّق العود على المشيّة (وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) كرّر ربّنا لازدياد تمكّن ربوبيّته والجملة امّا حال من الله أو مستأنفة جوابا لسؤال محتمل أو للمدح (عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا) وضع الظّاهر موضع المضمر تمكينا له بالالهيّة في النّفوس واشعارا بعلّة الحكم (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِ) التجأ الى الله واستغاث منه بعد ما حاجّ قومه وأجابهم بما أجابهم ولم ينجع فيهم ، والفتح بمعنى القضاء أو بمعنى الفصل أو من الفتح الّذى يستعمل في الأمور الصّعبة (وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ) في الدّنيا بعدم عزّتكم في الخلق وعدم حسن معاشرتهم معكم ، وفي الآخرة باستحقاقكم العذاب لضلالتكم وعدم شفيع لكم لانحرافكم عن الأصنام وأمثالها ، وعن السّيرة الّتى شاهدناها من آبائنا وكنّا عليها واعتدناها وما تضرّر نابها (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) الزّلزلة ولا ينافي هذا ما في سورة هود من قوله تعالى وأخذت الّذين ظلموا الصّيحة في حقّ قوم شعيب لانّ الزّلزلة قلّما تنفكّ عن الصّيحة (فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ) جثم الإنسان من باب ضرب ونصر لزم مكانه فلم يبرح أو وقع على صدره أو تلبّد بالأرض (الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا) اى في الدّار سواء أريد منها القرية أو الدّور ، والمعنى المنزل ووضع الموصول موضع المضمر اشعارا بعلّة الحكم وذمّا لهم بهذا الوصف وتمكينا له في الأذهان ليكون عبرة ولذلك كرّره وقال (الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ) وهو ردّ لقولهم (لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ) ولكونه ردّا عليهم جاء بضمير الفصل للاشارة الى الحصر الاضافىّ (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ) بعد إهلاكهم أو قبل إهلاكهم ، وإتيان الفاء للتّرتيب في الاخبار لا في التّحقّق (وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ) اى كيف احزن عليهم لهلاكهم مع كفرهم أو كيف أدعو لهم ولا ادعو عليهم (وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ) البأساء الشّدّة والفقر والشدّة في الحرب (وَالضَّرَّاءِ) في الأموال والأنفس (لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ) اعلم ، انّ المانع من قبول النّبوّة والانقياد تحت احكام القالب وكذا من قبول الولاية والانقياد تحت احكام القلب هو استبداد الإنسان بالرّأى واستقلاله في الأمر وظنّ عدم احتياجه الى غيره ، وكلّ ذلك من صفات النّفس والخيال ، وهذه هي المانعة من ظهور حقّيّة المحقّ وبطلان المبطل ، ولمّا كان تماميّة الدّعوة بوجود الدّاعى ودعوته واستعداد القابل واستحقاقه وانتفاء المانع ومنعه فاذا أراد الله تعالى