بالبيت عراة يشبّكون بين أصابعهم ويصفرون ويصفّقون وكانوا يفعلون إذا قرأ رسول الله (ص) في صلوته يخلّطون عليه (فَذُوقُوا الْعَذابَ) بالقتل والأسر يوم بدر أو بالنّار في الآخرة (بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ) يستمرّون على الإنفاق. اعلم ، انّه لا اختصاص للمال بالاعراض الدّنيويّة بل يعمّها والقوى البدنيّة والقوى النّفسانيّة بل هي اولى بكونها مالا من الاعراض لانّ نسبة المملوكيّة هنا حقيقيّة وهناك اعتباريّة صرفة لا حقيقة لها ، والإنسان ما لم يخرج من هذا البنيان شغله اكتساب المال الصّورىّ والمعنوىّ وإنفاقه ، فان كان متوجّها الى الله يصدق عليه انّه ينفق في سبيل الله اى حالكونه في سبيله أو في حفظ سبيله وتقويته وان كان متوجّها الى الملكوت السّفلى يصدق عليه انّه ينفق في سبيل الطّاغوت بمعنييه ويصدق عليه انّه ينفق لصدّ النّاس عن المسجد الحرام وعن سبيل الله صورة ومعنى ، ولصدّ القوى والمدارك عن التّوجّه الى القلب فالكافرون شغلهم الإنفاق مستمرّا (لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) اى سبيل الحجّ أو النّبىّ (ص) أو الولىّ (ع) أو الصّدر المنشرح بالإسلام أو القلب (فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً) لعدم عوض للمنفق بل لنقصان ذواتهم بالإنفاق (ثُمَّ يُغْلَبُونَ) ظاهرا وباطنا ان كان نزول الآية في قريش حين خروجهم لغزو بدر وإنفاقهم في ذلك كما ورد في الخبر فلا ينافي عمومها (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) تكرار الموصول للتّفضيح والاشارة الى علّة الحكم (إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) يعنى كما انّ شغلهم الإنفاق للصّدّ كذلك سلوكهم ليس الّا الى جهنّم ، لانّ شغلهم الإنفاق في سبيل الطّاغوت فسلوكهم على سبيل الطّاغوت وهو سبيل جهنّم ، وفعلنا ان نحشرهم آنا فآنا حشرا بعد حشر الى جهنّم وغاية هذا الفعل كراهة اختلاط المؤمن والكافر وتميز الكافر من المؤمن ، هذا في الكبير ، وامّا في الصّغير فالقوى الحيوانيّة البهيميّة والسّبعيّة والقوى الشّيطانيّة اللّاتى شأنها الكفر بالعقل تنفق قوّتها لصدّ سائر القوى عن سبيل العقل وهو سبيل الله وهي متوجّهة الى السّفل الّذى هو دار الشّياطين والجنّة ، وفيه جهنّم فتحشر الى جهنّم آنا فآنا وفي الخبر اشارة الى التّعميم وذلك الحشر (لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ) لضيق السّفل وعدم سعته (فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً) فيجعله متراكما متداقّا (فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ) بعد انتهاء حشره وتراكمه (أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) في موضع التّعليل والإتيان بالمسند اليه باسم الاشارة موضع الضّمير لاحضار حالهم الفظيعة اشعارا بعلّة الحكم ، وتعريف المسند وضمير الفصل للتّأكيد والحصر (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) مخاطبا لهم قولي (إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) أو مضمون ان ينتهوا يغفر لهم أو قل في حقّهم فالعبارة على ما هو حقّها ، والمراد بالكفر الكفر بالله أو بالنّبىّ (ص) أو بالولىّ (ع) أو بالولاية التّكوينيّة الّتى هي وجهة القلب وطريق الآخرة ، ولذا ورد عن الباقر (ع) انّه قال له رجل : انّى كنت عاملا لبني أميّة فأصبت مالا كثيرا فظننت انّ ذلك لا يحلّ لي فسألت عن ذلك فقيل لي : انّ أهلك ومالك وكلّ شيء لك فهو حرام فقال (ع) : ليس كما قالوا لك ، قال فلي توبة؟ ـ قال (ع) : نعم ، توبتك في كتاب الله (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ) ما قد سلف ، فعدّه (ع) من الكافرين حيث كفر بالولاية التّكليفيّة أو التّكوينيّة (وَإِنْ يَعُودُوا) الى ما كانوا فيه من الكفر بأحد معانيه ولوازمه من معاداة الرّسول (ص) ومقاتلته مضت معاداتهم على نبيّنا (ص) ولم يبق عليه شينها وبقي عليهم عقوبتها (فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ) الّذين