متوافقة لا تمايز بينها في الحقيقة وانّ ما قيل فيها من التّمايز والخواصّ محض اعتبار لا حقيقة له قال تعالى ردّا عليهم ، انّ عدّة الشّهور عند الله كما انّها عندكم اثنى عشر شهرا يعنى ما عندكم من اثنى عشرا قمريّة في كلّ عام تقريبا وشمسيّة في كلّ عام حقيقة انّما هي رقائق للحقائق الّتى عندنا ، وكلّ منها مظهر لحقيقة من تلك الحقائق ولكلّ خواصّ وآثار ليست لغيره ولذا أتى بالتّميز التّأكيدىّ لاسم العدد تمكينا في القلوب ولم يكتف بقوله عند الله وقال (فِي كِتابِ اللهِ) اى مكتوب الله أو الكتاب المبين الّذى هو العقل أو اللّوح المحفوظ (يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) يعنى قبل استقرارها عندكم وبعد ما بيّن انّ حقائقها عند الله مؤكّدا هذا المعنى بالقيود الثّلاثة بيّن بعض خواصّها بقوله (مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) ذو القعدة وذو الحجّة والمحرّم ورجب ثمّ أكّد حرمتها بقوله (ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) الّذى لا عوج فيه يعنى اعتقاد حرمتها والتّصديق بها هو الطّريق القويم الّذى كانت الأنبياء عليه فمن عدل عنه كان خارجا عن طريق الأنبياء (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) بان يقتل بعضكم بعضا وينهب ويأسر ، أو فلا تظلموا فيهنّ أنفسكم بالاعتداء فيهنّ بهتك حرمتها بالمقاتلة فيها وارتكاب سائر ما لا ينبغي (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً) في غير تلك الأشهر لانّهم هتكوا حرمتها بالنسيء بقرينة انّما النّسيء زيادة في الكفر وفي تلك الأشهر حيث بدؤكم بالقتال فيها بقرينة (كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) واتّقوا هتك حرمة تلك الأشهر (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ) استيناف في موضع التّعليل للأمر بالمقاتلة والمراد بالنّسيء تأخير حرمة الشّهر الحرام الى شهر آخر وتحليل المقاتلة في ذلك الشّهر الحرام كانوا إذا جاء الشّهر الحرام ولم يريدوا ترك المقاتلة فيه يقولون : هذا الشّهر كسائر الأشهر فنقاتل فيه ونترك القتال في شهر آخر ، وكونه زيادة في الكفر لانّه بعد الكفر بالله بواسطة الكفر بالرّسول تبديل لأحكام الله المقرّرة عنده المكتوبة في كتبه العالية قبل خلق هذا العالم (يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا) حيث يخرجون من الطّريق القويم المستقيم بالخروج منه (يُحِلُّونَهُ) اى النّسيء أو الشّهر الحرام المنسيّ (عاماً) بيان لضلالتهم (وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا) يوافقوا (عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ) عدد الأشهر الّتى حرّمها الله (فَيُحِلُّوا) بالنّسيء (ما حَرَّمَ اللهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ) جواب لسؤال مقدّر (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) الى الطّريق القويم ولذا احلّوا ما حرّم وحرّموا ما أحلّ وزيّن لهم القبائح (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بالايمان العامّ أو بالايمان الخاصّ (ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) اى الجهاد الصّورىّ أو في طلب الولاية أو في طريق القلب بالجهاد الباطنىّ والذّكر والفكر ورفض الهوى وترك مأمول النّفس (اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ) ارض التّراب أو ارض الطّبع أو ارض النّفس ، ونزول الآية في غزوة تبوك ، وسبب غزوة تبوك على ما نقل انّ رسول الله (ص) كتب كتابا الى بعض حكّام ممالك الشّام وأرسل حارث بن عمر والازدىّ ، ولمّا وصل الحارث الى موتة من قرى بلقاء من اعمال الشّام ومنها الى بيت المقدس مرحلتان ، قتله شرحيل بن عمرو الغسّانىّ أحد أمراء القيصر فوصل الخبر الى رسول الله (ص) فهيّأ سريّة موتة وجعل زيد بن حارثة أميرا عليهم وقال حين الوداع : ان قتل زيد فالأمير جعفر بن أبى طالب ، وان قتل جعفر فالأمير عبد الله بن رواحة ، وان قتل عبد الله فالأمير من ارتضاه المسلمون ، وكان يهودىّ حاضرا فسمع مقالته فقال : يا أبا القاسم ان كنت صادقا في نبوّتك فكلّ من عيّنته للامارة فلا بدّ