(لِأَمْرِ اللهِ) اى لحكمه الّذى هو من عالم امره (إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ) حين خروجهم من الدّنيا بلحوقهم بدار العذاب بواسطة غلبة الحكم السّفلىّ عليهم (وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ) بلحوقهم بدار الرّحمة بواسطة غلبة الحكم العلوىّ عليهم (وَاللهُ عَلِيمٌ) باستعدادهم واستحقاقهم لكلّ من التّوبة والعذاب (حَكِيمٌ) لطيف في علمه لا يعزب عنه قدر شعر وشعيرة من استعدادهم واستحقاقهم متقن لطيف في عمله يجازى كلا بحسب عمله ولو كان بقدر شعيرة وشعرة (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً) عطف على منافقون أو كلّ من معطوفيه أو على مرجون من قبيل عطف أوصاف موصوف واحد ، أو عطف المتغايرين أو مبتدء خبر محذوف أو خبر مبتدء محذوف أو مفعول فعل محذوف ، روى انّ بنى عمرو بن عوف بنوا مسجد قبا وصلّى فيه رسول الله (ص) فحسدهم إخوتهم بنو غنم بن عوف ، فبنوا مسجد الضّرار وأرادوا ان يحتالوا بذلك فيفرّقوا المؤمنين ويوقعوا الشّكّ في قلوبهم ، بان يدعوا أبا عامر الرّاهب من الشّام ليعظهم ويذكر وهن دين الإسلام ليشكّ المسلمون ويضطربوا في دينهم ، فأخبر الله تعالى نبيّه (ص) بذلك ، فدعوا رسول الله (ص) ليصلّى في مسجدهم فأبى واعتذر بأنّى على جناح سفر حين ارادة غزوة تبوك ، وبعد ما رجع من تبوك امر بهدمه وإحراقه وجعله كناسة يلقى فيه الجيف وقصّته مذكورة بتفصيلها في المفصّلات وما في الصّافى يكفى للتّبصّر (ضِراراً وَكُفْراً) لحصول الكفر أو لتحصيل ازدياد الكفر (وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً) ترقّبا (لِمَنْ حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ) يعنى أبا عامر الرّاهب ، نقل انّه كان قد ترهّب في الجاهليّة ولبس المسوح فلمّا قدم النّبىّ (ص) المدينة حسده وحزّب عليه ثمّ هرب بعد فتح مكّة وخرج الى الرّوم وتنصّر ، وانّه كان يقاتل رسول الله (ص) في غزواته الى ان هرب الى الشّام ليأتى من قيصر بجنود يحارب بهم رسول الله (ص) ومات بقنّسرين (وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى) الّا الارادة الحسنى أو العاقبة الحسنى أو الخصلة الحسنى (وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً) اى للصّلوة فانّ القيام لكثرة استعماله في القيام للصّلوة يتبادر منه الصّلوة (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى) اعلم ، انّه كما انّ للبناء سقفا وأساسا ومقرّا يقوم الأساس عليه كذلك لكلّ عمل صورة وأساس ومقرّ يقوم الأساس عليه ، فسقف العمل هو صورته الّتى هو عليها ، وأساسه هو نيّة العامل ، ومقرّه هو شأنه الّذى يقتضي تلك النّيّة ، فبالنّيّة يوجد العمل ومن شأن العامل ينشأ النّيّة وعليه تستقرّ والعمل مبتن على النّية والنّيّة قائمة على شاكلة العامل (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) والعمل ظهور النّيّة والنّيّة ظهور الشّاكلة لكن يخفى ذلك الظّهور على العميان مع ظهوره لأصحاب البصائر ، والعلم بمبنى العمل أحد وجوه العلم بتأويل القرآن ، فمن كان شاكلته التّقوى من مقتضيات النّفس صارت نيّته الهيّة ومن كان كذلك كان عمله مبتنيا على نيّة الهيّة قائمة على شاكلة التّقوى ، وإذا كان العمل مبتنيا على نيّة الهيّة كان العمل الهيّا لظهور تلك النّيّة في العمل ولذلك أو لكون قلب عاملها الواقف لها بيت الله يسمّى المساجد بيوت الله مع شركتها لسائر الابنية في موادّها وصورها وبقاعها وعامل بنائها ، وقد مضى تحقيق معنى المسجد في سورة البقرة عند قوله تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ)(مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ) من ايّام تأسيسها يعنى مسجد قبا (أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ) للصّلوة من مسجد اسّس على النّفاق لانّه بمظهريّته لنيّة المتّقى مجانس لك (فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا) من الارجاس الباطنة والأنجاس الظّاهرة (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) روى