عن النّبىّ (ص) انّه قال لأهل قبا : ماذا تفعلون في طهركم فانّ الله قد أحسن عليكم الثّناء؟ ـ قالوا نغسل اثر الغائط ، قال : فأنزل الله فيكم : (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ) بنيان وجوده (عَلى تَقْوى مِنَ اللهِ وَرِضْوانٍ) من الله عطف على محذوف مستفاد من سابقه والهمزة والفاء على التّقديم والتّأخير أو على تقدير المعطوف عليه بينهما تقديره أمسجد اسّس على التّقوى خير أم مسجد اسّس على النّفاق فامّن اسّس بنيانه أو فمن اسّس بنيانه على تقوى من الله ورضوان (خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ) الجرف جانب الوادي الّذى تجرفه السّيول وتذهب بتراب أصله فتنشقّ والشّفا شفيره (هارٍ) أصله هائر وهور وهو المنشقّ المشرف على السّقوط (فَانْهارَ بِهِ) اسقطه اى البنيان أو من اسّس البنيان (فِي نارِ جَهَنَّمَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) عطف باعتبار المعنى كأنّه قال فمن أسّس بنيانه على شفير جهنّم ظالم والله لا يهدى القوم الظّالمين. اعلم ، انّ النّفس الانسانيّة في اوّل الخلقة ليس لها الّا فعليّة الجماد ثمّ تتدرّج الى فعليّة النّبات ثمّ الى فعليّة مراتب الحيوان من مراتب الخراطين الى مراتب البهيميّة والسّبعيّة ، ثمّ الى فعليّة الشّيطانيّة ، ثمّ الى فعليّة الانسانيّة في الجملة ، وهي مقام تميزها للخير والشّرّ العقليّين في الجملة في اوّل مراتب البلوغ والتّكليف وحينئذ تقع برزخا بين عالم الجنّة والشّياطين وفيه جهنّم ونيرانها ، وبين عالم الملائكة بمراتبها وفيه الجنان ونعيمها وروحها وريحانها ، والإنسان في هذا المقام ليس الّا قابلا صرفا يتصرّف فيه الشّياطين ويجذبونه الى السّفل والى عالمهم ويتصرّف فيه الملائكة ويجذبونه الى العلو والى عالمهم وله القوّة والاستعداد للسير على تمام مراتب السّفل والاتّصاف بها وعلى تمام مراتب العلو والاتّصاف بها ، فان ساعده التّوفيق وأدرك ببصيرته شروره وانّ جذب الشّياطين له ليس الّا الى دار الشّرور واتّقى ذلك ولم ينصرف الى ما اقتضيه القوّة الشّيطانيّة والسّبعيّة والبهيميّة ، بل كان على حذر من ذلك وقام في مقام الانسانيّة متدرّجا في مراتبها فقد اسّس دار وجوده وتعيّشه على تقوى من لوازم سخط الله وهي مقتضيات القوى المذكورة ، وان أدركه خذلان الله العياذ بالله ، وانصرف عن مقام الانسانيّة وانجذب بوسوسة الشّيطان الى مقام القوى المذكورة وهو أقرب مقاماته الى العالم السّفلىّ الّذى فيه جهنّم وقام في هذا المقام الّذى هو أضعف مراتبه وأو هنها فقد اسّس دار وجوده وتعيّشه على أو هن مقاماته الّذى إذا انهدم سقط في جهنّم (لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا) يعنى أهل مسجد الضّرار (رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ) سبب شكّ (إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ) فلا يبقى منها اثر حتّى تتّصف بالرّيبة (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) يعنى انّ بنيانهم سبب جهلهم وبلاهتهم والله عليم حكيم فيكون بنيانهم سبب بعدهم من الله فليهدم كما روى انّه (ص) امر بهدمه وإحراقه (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) بعد ما ذكر أصناف المنافقين وأحوالهم ذكر أوصاف المؤمنين وما هم عليه وما لهم في الآخرة لازدياد حسرة المنافقين. اعلم ، انّ النّفوس البشريّة خلقت متعلّقة بمعنى انّ التّعلّق جزؤ جوهر ذواتها وفصل مميّز لها عن الجواهر المجرّدة الصّرفة لا انّ التّعلّق وصف خارج عن ذواتها عارض لها ، وهذا التّعلّق الفطرىّ هو الّذى يكون منشأ شوقها الّذى يعبّر عنه بالفارسيّة ب «درد» وهو يقتضي التّعلّق الاختيارىّ حين البلوغ فان ساعدها التّوفيق وتعلّقت اختيارا حسبما كلّفها الله بالعقول المجرّدة ومظاهرها البشريّة فازت بالحيوة الابديّة ، وان خذلها الله وتعلّقت بالشّيطان ومظاهره البشريّة أعاذنا الله منها ، هوت الى المظاهر القهريّة وهلكت ، ولمّا كان في بدو الأمر مداركها العقليّة ضعيفة ومداركها الحيوانيّة والشّيطانيّة قويّة بحيث لا تدرك الّا ما أدركته المدارك الظّاهرة والباطنة الحيوانيّة