أو ما اقتضته القوى الحيوانيّة والشّيطانيّة ، ولا يتيسّر لها ادراك العقول والتّعلّق بها بلا واسطة بشريّة مدركة بمداركها الحيوانيّة ، أمرهم الله تعالى شأنه بالتّعلّق بمظاهر العقول من الأنبياء وخلفاءهم والانقياد لهم واتباعهم ، ولتطابق العوالم وتوافق المراتب ولزوم سريان حكم كلّ عالم ومرتبته الى سائر العوالم والمراتب ، أمرهم الله تعالى بالبيعة الّتى هي مشتملة على التّعلّق الجسمانىّ بعقد يدي المتعلّق والمتعلّق به وتعلّق سمع كلّ بلسان الآخر وصوته ليكون التّعلّق النّفسانىّ موافقا للجسمانىّ وساريا الى المرتبة البشريّة ، وتلك البيعة كانت سنّة قائمة من لدن آدم (ع) الى زمان ظهور دولة الخاتم (ص) ، بحيث كان أهل كلّ دين لا يعدّون من أهل ذلك الدّين أحدا الّا بالبيعة مع صاحب ذلك الدّين أو مع من نصبه لاخذ البيعة من النّاس ولتلك كانت شرائط وآداب مقرّرة مكتومة عندهم ، ولشرافة تلك البيعة والضنّة بابتذالها عند من ليس لها باهل كانت تختفى في كلّ دين بعد قوّته ورحلة صاحبه واختيار العامّة له بأغراضهم الفاسدة على سبيل الرّسم والملّة ، وقوله (وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ) اشارة الى التّحقّق بالدّين بالدّخول فيه بما به تحقّقه من البيعة ، وقصر مشيد اشارة الى صورة الدّين المأخوذة على طريق الرّسم والملّة من دون التّحقّق به إذا تقرّر ذلك ، فاعلم ، انّ تلك البيعة لمّا لم تكن الّا مع المظاهر البشريّة لعدم إمكان الوصول الى الله والى العقول من غير توسّط تلك المظاهر وقد تحقّق انّ المظاهر يعنى الأنبياء وخلفاءهم (ع) لفنائهم في الله خصوصا وقت أخذ البيعة واشتراء الأنفس والأموال ، وجودهم وجود الله لا وجود أنفسهم لعدم نفسيّة لهم حينئذ وفعلهم فعل الله لا فعل أنفسهم ، وكان القاصرون لا يرون البيعة الّا مع الوسائط من غير نظر الى الظّاهر فيها ، قال الله تعالى بطريق حصر القلب أو التّعيين أو الإفراد انّ الله اشترى لا الوسائط البشريّة كما اعتقدوا لقصورهم وقد صرّح بالحصر في قوله (إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ) يعنى انّ المشترى هو الله لا أنت ، وهكذا قوله (يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) للحصر اعتبارا لمفهوم اضافة اليد الى الله يعنى يد الله لا يدك ، كما مضى عند قوله تعالى ألم يعلموا انّ الله هو يقبل التّوبة عن عباده انّه اشارة الى تلك البيعة وانّه للحصر فانّ قبول التّوبة من أجزاء تلك البيعة ومقدّماته ، وقول المفسّرين انّ الآية وذكر الاشتراء تمثيل لاثابة الله ايّاهم على بذل الأنفس والأموال انّما هو بالنّظر الى المبايعة الماليّة لا المبايعة الاسلاميّة (يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) حال لبيان حالهم وما يشترط عليهم حين الاشتراء أو مستأنف جواب لسؤال عن حالهم وما اشترط عليهم. اعلم ، انّ الدّاخل في الإسلام بالبيعة العامّة النّبويّة وقبول الدّعوة الظّاهرة والدّاخل في الايمان بالبيعة الخاصّة الولويّة وقبول الدّعوة الباطنة لا ينفكّ عن المقاتلة مع الأعداء الباطنة وجنود الشّيطان ، وان كان قد ينفكّ عن المقاتلة مع الأعداء الظّاهرة وأيضا لا ينفكّ عن قتل لشيء من جنود الجهل واتباع الشّيطان وعن مقتوليه بحسب مراتب جنود الحيوان ما لم يمت اختيارا أو اضطرارا ، ولذا أتى بالافعال الثّلاثة مضارعات دالّات على الاستمرار (فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ) قرئ الاوّل مبنيّا للفاعل والثّانى مبنيّا للمفعول وبالعكس (وَعْداً عَلَيْهِ) وعد المقاتلة بحسب الشّرط في البيعة أو وعد الجنّة بإزاء الأنفس والأموال وعدا ثابتا عليه (حَقًّا) صفة لوعدا أو حال منه أو مصدر لمحذوف اى ثبت ذلك الوعد ثبتا (فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى) افعل التّفضيل أو فعل ماض (بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ) الله بتوسّط مظاهره (بِهِ) ان كان أو في افعل تفضيل ومن استفهاميّة فالفاء جواب شرط محذوف اى إذا لم يكن أحد أو في بعهده من الله فاستبشروا ، وان كان فعلا ماضيا ومن شرطيّة أو موصولة فالفاء جواب