المواليد الجماد والنّبات والحيوان فلم تكن لها باهل ، ثمّ عرضها على عالم الإنسان فوجده أهلا لها فأودعها فيه وقبلها الإنسان ؛ فلمّا أودعها الإنسان وكانت لشرافتها ونفاستها كثيرة الطّلاب والسّراق من أهل العالم السّفلىّ ولم يمكنه المدافعة من دون إمداد من صاحب الامانة جعل الله تعالى له جنودا من أهل العالم العلوىّ وامره بحفظها وانمائها حتّى إذا طالبها سلّمها سالما ناميا زاكيا ، فمن امتثل امره تعالى وجاهد مع طلّابها وسرّاقها وحفظها عن أيدي السّراق وأنماها وزكّاها صار مستحقّا للخلع الفاخرة البهيّة والمنصب العالي الولاية والنّبوّة والرّسالة والخلافة والجلوس في مقعد الصّدق عند المليك المقتدر ، ومن أهمل رعايتها حتّى اختطفها سرّاقها صار مستحقّا للسّجن والعقوبات ، ثمّ بعد تلك الامانة الأمانات الّتى أودعها الله الإنسان لحفظ تلك الامانة سوى الجنود العلويّة الّتى عدّها لامداد الإنسان في حفظها وهي المدارك والقوى والأعضاء الظّاهرة والباطنة وامره بحفظها لانّ لها أيضا طلّابا وسرّاقا من العالم السّفلىّ ، وامره بان يؤدّيها إلى أهلها الّذى هو العقل ثمّ قوّة قبول التّكاليف وامره ان يؤدّيها الى أهلها الّذى هو العقل في مظاهره البشريّة بان عرضها عليه وسلّمها لأمره ونهيه ثمّ التّكاليف القالبيّة النّبويّة الحاصلة له بالبيعة العامّة ، وامره ان يؤدّيها بعد حفظها واستنمائها الى أهلها الّذى هو صاحب التّكاليف القلبيّة بان عرضها عليه سالمة نامية ، ثمّ التّكاليف القلبيّة الباطنة الّتى أخذها من صاحب الدّعوة الباطنة بالبيعة الخاصّة الولويّة وقبول الدّعوة الخاصّة ، وامره ان يؤدّيها الى أهلها الّذى هو صاحب الدّعوة التّامّة والولاية المطلقة اعنى عليّا (ع) فاذا استكمل له هذه الأمانات وحفظها وأنماها وسلّمها الى أهلها وارتضاها منه ورضى عنه أودعها أمانات شريفة نفيسة هي ودائع الخلافة الإلهيّة في العالم الكبير في لباس النّبوّة أو الرّسالة أو الخلافة أو الامامة وتلك أشرف الأمانات بعد الامانة الاولى ؛ وهي مختلفة فمنها ما هي من قبيل التّكاليف ولها أهل وهم المستعدّون لقبولها والعمل بها ، وبعضها من قبيل الخلافة ولها أهل وهم المستعدّون لاصلاح الخلق والتّبليغ لهم كالمشايخ والنوّاب الّذين كانوا خلفاء الأنبياء (ع) والأولياء (ع) ، وبعضها هو أصل الخلافة الإلهيّة ولها أهل وهم الّذين يقومون مقام الأنبياء (ع) والأولياء (ع) بعد رحلتهم ويصدق على أمانات النّاس الّتى هي من الاعراض الدّنيويّة أيضا انّها أمانات ولها أهل وهم صاحبو الأمانات (وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) يعنى لم يكن الحكومة حتما عليكم وأنتم فيها بالخيار لكن إذا حكمتم يأمركم ان تحكموا بالعدل اى بسبب العدل الّذى في أيديكم ممّا نزل على محمّد (ص) من السّياسات ، أو بآلة العدل الّتى هو السّياسات الإلهيّة أو متلبّسين بالعدل والتّسوية بين الخصمين أو بالعدل والاستقامة خارجين عن الاعوجاج الّذى هو من مداخلة الشّيطان أو حالكون حكمكم متلبّسا بالعدل والتّسوية ، والعدل بين الخصمين هو التّسوية بينهما في المجلس والتّخاطب والشّروع في الخطاب والتّوجّه والبشر بل في ميل القلب ، فانّ التّسوية في ذلك خروج عن الاعوجاج إذا كانا مسلمين فانّهما ان كانا مسلمين وما سوّيت بينهما كنت جائرا ، وكذا إذا لم تسوّ بينهما في الميل القلبىّ من جهة الحكومة كنت معوّجا بتصرّف الشّيطان (إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ) فتقبّلوا عظته ، هذه جملة معترضة (إِنَّ اللهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً) تعليل لأداء الامانة الى أهلها والحكم بالعدل وتحذير عن المخالفة (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ) فيما انزل ولا سيّما عمدة ما انزل وهي ما به صلاحكم ورفع نزاعكم وردّ خلافكم وهو تعيين من ترجعون اليه في جملة أموركم الدّنيويّة والاخرويّة وفيما اشتبه عليكم وهي قوله انّما وليّكم الله ورسوله والّذين آمنوا (الى آخرها) فانّه لا خلاف بينهم انّه في علىّ (ع) (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) فيما آتاكم وفيما نهاكم