والاستثناء منه وما في ما يتّبع استفهاميّة أو موصولة معطوفة على من في السّماوات أو نافية أو المفعول محذوف اى ما يتّبعون حجّة وبرهانا (وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) يكذبون أو يقولون بالظّنّ وعليه فالاوّل لبيان انّ فعلهم عن الظّنّ والثّانى لبيان انّه قولهم عن الظّنّ وقد مضى انّ ادراك النّفس للأشياء يسمّى ظنّا سواء كان شهودا أو يقينا أو ظنّا لكون معلومها مغاير لإدراكها كالظّنّ ، فانّه مغاير للمظنون على انّها لكونها سفليّة إدراكها للأشياء يكون على غير وجهها وعلى غير ما هي عليه ، فإدراكها لها امّا مخالف لما هو واقعها عند النّفوس فهو خرص وكذب أو موافق لما هو واقعها عندها لكن لا على وجهها وعلى ما هي عليه فهو ظنّ لانّ شأنه ان لا يكون إدراكا محاطا للمدرك على ما هو عليه (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ) لانتفاعكم (اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا) عن متاعب النّهار وكدّ طلب المعاش (فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً) لتطلبوا أسباب معيشتكم وحقّ العبارة ان يقول والنّهار لتطلبوا فيه معايشكم بذكر ما هو غاية له مطابقا لذكر غاية اللّيل ، لكنّه اكتفى عن ذكر الغاية بذكر سببها افادة لها مع سببها وغيّر الأسلوب اشعارا بسببيّة النّهار للابصار ، لانّه أسنده الى النّهار بطريق المجاز العقلىّ فأفاد الغاية وسببها وسبب سببها بأوجز لفظ وهو مبصرا ، وتقديم اللّيل مع كون النّهار أشرف من وجوه عديدة لكونه عدميّا مقدّما بالطّبع على الوجودىّ الحادث ولكونه بحسب التّأويل مقدّما بالزّمان وبالطّبع في سلسلة الصّعود الّتى هي من مراتب وجود الإنسان ، ولانّ المقام مقام تعداد النّعم والاهتمام باللّيل في عدّة من النّعم أكثر لانّهم يعدّونه زوال النّعمة وبعد ما أسلفنا لك لا يعضل عليك تعميم اللّيل والنّهار (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ) عظيمة حيث انّ مواليده عالم الطّبع موقوفة عليهما وعلى اختلافهما بالزّيادة والنّقيصة والبرودة والحرارة والظّلمة والاستنارة ففي خلقهما للمتدبّر آيات كثيرة دالّة على كمال قدرة الصّانع وعلمه وحكمته وفضله ورحمته (لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) ينقادون فانّه يكفى في ادراك آياتهما الانقياد للنّبىّ (ص) أو الامام (ع) وان لم يحصل بعد للمنقاد قلب أو عقل ، واستعمال السّماع والاستماع في الانقياد كثير (قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) بعد ما ذكر سعة ملكه وانّ الكلّ مملو كون له وانّ اللّيل والنّهار الّذين هما عمدة أسباب دوران العالم وتعيّش ما فيه مجعولان له غير قديمين ، كما يقوله الدّهريّة والطّبيعيّة وغير مجعولين لغيره ذكر قولهم النّاشى من غاية حمقهم ، من انّ الله لاتّخذ لنفسه ولدا تسفيها لرأيهم حيث انّ اتّخاذ الولد بنحو التّوالد كما زعموه لا يكون الّا من المحتاج المحاط بالزّمان والمكان وهو تعالى فوقهما وجاعلهما (سُبْحانَهُ هُوَ الْغَنِيُ) تعليل لنفى الولد والإنكار قولهم المستفاد من التّسبيح (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) تعليل للغنى (إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا) ما عندكم حجّة مع هذا القول أو ملصق بهذا القول بعد ما ردّ قولهم بعدم جواز الولد له سبحانه ردّه بعدم الحجّة لهم اشعارا بلزوم أمرين في صحّة القول بشيء أحدهما إمكان ذلك الشّيء في نفسه والثّانى وجود حجّة للقائل على قوله وبانتفاء كلّ من الأمرين يكون ذلك القول كذبا ، ولذا وبّخهم على محض قولهم من غير علم وحجّة من دون التّعرّض لعدم جواز هذا القول على الله بقوله (أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) قولا مخالفا للواقع أو قولا بلا حجّة سواء كان مخالفا أم موافقا (لا يُفْلِحُونَ) لانّ الافتراء لا يكون الّا عن حكومة النّفس والشّيطان ومحكومهما من حيث انّه محكومهما لا سبيل للنّجاة له غاية ما يترتّب على محكوميّته وافترائه انّه يتمتّع في الدّنيا بما زيّنه النّفس والشّيطان