للطّرفين حافظا للجانبين. وامّا خليفة له من الجهة الاولى وهم الفقهاء وعلماء الشّريعة رضوان الله عليهم الّذين تصدّوا للاحكام الظّاهرة وآداب السّياسة ، وامّا خليفة له من الجهة الاخرى كالصّوفيّة الصّافية الطّويّة من الشّيعة الّذين كان تمام اهتمامهم بأحوال الباطن وأحكام القلب والنّزاع بين الفريقين بإنكار كلّ طريقة الاخرى ناش من الجهل بحقيقة الرّسالة والغفلة عن كيفيّة النّيابة ، فانّ كلّا إذا حصل له الاذن والاجازة كان نائبا في مرتبته مأجورا في شغله مفروضا طاعته إماما في مرحلته محكوما على الخلق بالرّجوع اليه والأخذ منه ، وكلّ منهما إذا لم يحصل له الاجازة كان نسناسا بل خنّاسا وشيطانا مردودا ، فالنّزاع ليس في محلّه بل الحقّ ان يبدل النّفاق بالوفاق ويرجع كلّ الى صاحبه فيما هو من شأنه ويأخذ منه فيتصالحا ، فانّ الظّاهر غير غنىّ عن الباطن والباطن لا يستكمل بدون الظّاهر ، وقصّة اتّباع موسى (ع) للخضر (ع) مع كونه أفضل وأعلى من الخضر بمراتب عديدة برهان على جواز رجوع الأفضل في جهة الى من كان أفضل منه في جهة اخرى ، فلا بدّ ان يرجع صاحب الباطن الى عالم الشّرع في الأحكام الظّاهرة وصاحب الشّرع الى عالم الطّريقة في الأحكام الباطنة فاذا تصالحا وتوافقا فالأحسن ان يتظاهرا ويدفعا كلّ منافق كذّاب من مدّعى الفتيا والسّلوك عن ادّعائه ويظهرا بطلانه ويحفظا الدّين عن غوائل الشّياطين من الكذّابين وتلبّس بعض الزّنادقة بلباس الصّوفيّة ، وكذا تلبّس المتصوّفة من العامّة بلباسهم وصدور ما ينافي الشّريعة عنهم قولا وفعلا لا يصير سببا لطعن صوفيّة الشّيعة ؛ فانّهم مراقبون كمال المراقبة في ان لا يصدر عنهم ما يخالف الشّريعة قولا وفعلا بل يقولون ترك القيد في ان يتقيّد الإنسان بالشّريعة ويراقبون ان لا يجرى على لسانهم غير ما جرى على لسان الشّريعة فكيف بفعلهم واعتقادهم (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ) يسير فكيف بالخطير خصوصا النّبأ العظيم الّذى هو الخلافة (فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) لم يقل والى اولى الأمر لانّ المقصود الاصلىّ انّه إذا وقع التّنازع بينكم في تعيين ولىّ الأمر فردّوه إليهما فاذا عينّاه لكم فردّوا جميع أموركم اليه ، وفي بعض الاخبار انّ الآية هكذا فان تنازعتم في شيء فردّوه الى الله والى الرّسول والى اولى الأمر منكم يعنى ردّوا جميع ما خفتم التّنازع فيه الى قولهما فانّهما بيّنا جميع ما تحتاجون اليه ببيانه في الكتاب والسّنّة وبتعيين من عنده علم الكتاب فانّ قول الله (أَطِيعُوا اللهَ) (الى آخر الآية) وقوله (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ) (الى آخر الآية) في علىّ (ع) وقول محمّد (ص) : من كنت مولاه (الحديث) بيّنا انّ الاولى بكم من أنفسكم وأحرى بالرّجوع اليه والأخذ منه والتّسليم له هو علىّ (ع) فان رددتم كلّما خفتم التّنازع فيه الى علىّ (ع) بعد ما رددتم النّزاع الكلّىّ الى الكتاب والرّسول (ص) وأخذتم بقولهما فيه لم يبق لكم ريب ونزاع في شيء من الأشياء وان حكّمتم الرّجال دون الكتاب وقول الرّسول (ص) خرجتم من الرّشاد وطريق السّداد الى الحيرة والارتياب ؛ هذا في الكبير ، وأمّا في العالم الصّغير فانّ تنازع النّفس وهواها والطّبيعة وقواها معكم في شيء من الأشياء فاعرضوه على الرّوح والعقل فكلّما ارتضاه العقل وصدّقه الرّوح فخذوه وكلّما لم يصدّقه العقل وان كان النّفس ارتضته فاتركوه (إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) يعنى انّ الايمان بهما يقتضي ردّ كلّ ما اشتبه عليكم الى الكتاب والسّنّة ومن عنده علمهما ، وترك الرّجوع الى الكتاب والسّنّة ومبيّنهما دليل عدم الايمان بهما (ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) من تحريفكم اولى الأمر من معناه الى السّلاطين ووليّكم الى المحبّ ومولاه الى المحبّ حتّى يستقيم لكم رأيكم الباطل (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ) اى الخارج من حكومة العقل الّذى هو