كثيرا جدّا عليهم (قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ) من الرّأى بمعنى الاعتقاد ولمّا كان حقيقة الاستفهام الاستخبار ومعنى الاستخبار طلب الاخبار عن اعتقاد المستخبر عنه استعملوا تلك الكلمة في معنى أخبروني مجرّدا عن الاعتقاد لئلّا يلزم التّكرار وقد مرّ نظيره (إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ) فعمّيت جواب الشّرط ، وجملة الشّرط والجزاء متعلّق أرأيتم وأ رأيتم معلّق عنها والحقّ انّ التّعليق كما يقع بأداة الاستفهام يقع بأداة الشّرط أيضا وحينئذ يكون جملة أنلزمكموها مستأنفة منقطعة عمّا قبلها أو الفاء عاطفة وعمّيت معطوف على الشّرط والجزاء محذوف بقرينة أرأيتم أو بقرينة أنلزمكموها وأ نلزمكموها مفعول أرأيتم معلّقا عنه بأداة الاستفهام ، والبيّنة قد مرّ مرارا انّها النّبوّة كما انّ الزّبر هي الولاية وإطلاقها على الرّسالة وأحكامها وعلى المعجزة المبيّنة لصدق الدّعوى وعلى الكتاب السّماوىّ لكونها صورة النّبوّة وظهورها ، والرّحمة هي الولاية والنّبوّة وتوابعها صورة الرّحمة ولذا وحدّ الضّمير في عمّيت ونلزمكموها ولتوحيد الضّمير وجوه أخر لا فائدة معتدّا بها في ذكرها (وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً) بعد ما أظهر الدّعوى وادّعى خفاء المدّعى عليهم تعرّض لجوابهم لانّهم عرّضوا بتكذيبه الى انّه (ص) طالب للدّنيا والرّياسة وبتحقير الاتباع الى طردهم عنه بل صرّحوا بطردهم كما نقل فقال : ان كنت طالبا لدنياكم ينبغي ان يظهر منّى التّعرّض لها حينا ما ، والحال انّى لا اسألكم عليه مالا (إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ) وان كان ازدراء المؤمنين في أعينكم سببا لتوهينى ومانعا من اتّباعكم لي فليس أمرهم الىّ (وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) بملاقاة خليفته ومظهره وبملاقاة ملكوت ربّهم المضاف في الدّنيا والآخرة ولذا أتى باسم الفاعل اشارة الى تحقّق الملاقاة في الحال (وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ) استدراك لما أوهم كلامهم واستدلالهم على تكذيبه من انّهم أهل علم وعقل ومقابلة لما قالوا له من قولهم ما نريك يعنى انّ تكذيبي وعدم اتّباعى ليس لما ذكرتم بل لوقوعكم في دار الجهل وبعدكم عن دار العلم والعقل (وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ) يعنى انّ ايمانهم بمشيّة الله ولا يجوز طردهم الّا بمشيّة الله فلو طردتهم بهواي أو باهويتكم سخط الله علىّ ومن ينصرني من سخطه (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) ذلك حتّى لا تسألونى طردهم (وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ) حتّى تكذّبونى واتباعى بفقرنا وفاقتنا (وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ) حتّى تكذّبونى بعدم اكثارى المال بالمكاسبات الرّابحة أو تكذّبونى بعدم إجابتكم في السّؤال عن المغيبات والجملة معطوفة على جملة عندي خزائن الله ولا زائدة لتأكيد النّفى والعدول الى الفعليّة لكون العلم وصفا للعالم دون الخزائن أو معطوفة على جملة لا أقول ولا نافية وعدم إدخاله في جملة القول للاشعار بانّ علم الغيب خاصّ بالله لا يوصف غيره به بخلاف الخزائن فانّه قد يوكّل الله بعض خواصّه عليها لكن لا يقول ذلك ولا يدّعيه (وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ) حتّى تكذّبونى بما ترون من بشريّتى (وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ) تعيبهم أعينكم افتعال للمبالغة من زرأه إذا عابه ونسبته الى الأعين للاشعار بانّ ازدرائهم انّما هو لأجل ما رأوه من ظاهر حالهم من الرّثاثة والحاجة من غير تبصّر بحالهم الواقعيّة (لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْراً) حتّى تطالبونى بطردهم وتكذّبونى بقبولهم (اللهُ أَعْلَمُ بِما فِي