عنه عقيب اداة النّفى وبالفاعل المثبت له عقيب اداة الاستدراك ، لكنّه تعالى أراد أن يشير الى انّه لم يكن في الاستيصال ظلم بل كان عدلا وانّما الظّلم كان أفعالهم الشّنيعة المؤدّية الى الاستيصال فنفى في الاوّل أصل الظّلم بواسطة الاستيصال واثبت ظلما آخر سوى الاستيصال لهم (فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ) ولا دفعت (آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) من الأصنام السّفليّة والأجسام العلويّة والأشخاص البشريّة الّتى ما انزل الله بها من سلطان دون ولىّ الأمر (مِنْ شَيْءٍ) من العذاب (لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ) بالعذاب والإهلاك (وَما زادُوهُمْ) اى ما زادهم الآلهة (غَيْرَ تَتْبِيبٍ) غير الإهلاك والتّخسير (وَكَذلِكَ) الأخذ بالحصاد والاستيصال بالكلّيّة (أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى) اى أهلها (وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ) في موضع التّعليل (أَلِيمٌ شَدِيدٌ) وذلك انّه تعالى يمهل الظّالم الّذى انصرف عنه الى الشّيطان حتّى استتمّ جهات الغواية واستحقّ كمال العقوبة (إِنَّ فِي ذلِكَ) الأخذ والإهلاك الواقع بالأمم الماضية الهالكة (لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ) فانّه وان كان في الدّنيا لكنّه من تصرّف الغيب وأنموذج الآخرة (ذلِكَ) اليوم الّذى هو الآخرة والتّذكير باعتبار الخبر (يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ) لانّ المتعاقبين متلاحقون في ذلك اليوم (وَذلِكَ) تكرار اسم الاشارة للتّهويل (يَوْمٌ مَشْهُودٌ) يشهد فيه كلّ حاضر وغائب أو يقوم الاشهاد من الأنبياء (ع) وأوصيائهم (ع) بالشّهادة فيه أو يطلب منهم الشّهادة فيه (وَما نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ) اى الى وقت أو في وقت أو لانقضاء أمد (مَعْدُودٍ يَوْمَ يَأْتِ) ذلك اليوم على ان يكون الفاعل راجعا الى اليوم المضاف أو اليوم المشهود وقرئ يأتى بإثبات الياء وحذفها اجراء للوصل مجرى الوقف (لا تَكَلَّمُ) تتكلّم (نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ) لظهور السّلطنة التّامّة والمالكيّة الكاملة بحيث يكون نسبة الكلّ اليه تعالى نسبة القوى والجوارح الى النّفس ، فكما انّ حركات القوى والجوارح إذا كانت سليمة باقية على طاعة النّفس ليست الّا بالاذن التّكوينىّ من النّفس الانسانيّة ، كذلك لا يكون حركات الموجودات تماما ومنها نطق الإنسان وتكلّمه في ذلك اليوم الّا بالاذن التّكوينىّ من الله تعالى ، ولا ينافيه قوله تعالى (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ) ولا يؤذن لهم ، لانّ ذلك بالنّسبة الى العاصين أو بالنّسبة الى الاعتذار عن المعصية وهذا بالنّسبة الى المطيعين أو في غير الاعتذار عن المعصية أو ذلك في يوم وموقف وهذا في يوم وموقف آخر ؛ بل نقول ذلك أيضا يدلّ على توقف التّكلّم على الاذن موافقا لهذا (فَمِنْهُمْ) اى من النّاس المذكورين أو من صاحبي النّفوس المدلول عليهم بالنّفس المنكّرة الواقعة في سياق النّفى الدّالة على العموم أو من أهل المحشر المدلول عليهم التزاما أو من المتكلّمين وهو من عطف التّفصيل على الإجمال ولذا أتى بالفاء (شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ) اى ومنهم سعيد فهو من عطف الأوصاف المتعدّدة لذوات متعدّدة لا لذات واحدة وإسقاط منهم للاشارة الى انّ القسمة غير مستوفاة امّا لانّ الضّمير راجع الى جملة المبعوثين من الحيوان والإنسان ولا يحكم على أكثرهم بالشّقاوة ولا بالسّعادة والإتيان بضمير ذوي العقول حينئذ للتّغليب أو لانّ أكثر النّاس من السّواقط لا اعتناء بهم حتّى يدخلوا في القسمة أو لانّ الأكثر مؤخّر حكمهم الى الفراغ من حساب الأشقياء والسّعداء ، وتقديم الشّقىّ امّا لانّ المقام للوعيد ، أو لكثرة الأشقياء بالنّسبة الى السّعداء ، ولان يختم الآية بذكر السّعداء والرّحمة (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا) قرئ معلوما ومجهولا من شقاه بمعنى أشقاه (فَفِي النَّارِ) خبر الموصول (لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ) الجملة حاليّة أو مستأنفة