الافتضاح بخيانته (ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ) لفظة ما استفهاميّة إنكاريّة أو نافية اخباريّة (قالَ) دفعا للتّهمة والعذاب عن نفسه (هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي) وألهمه الله ان يقول : سل هذا الصّبىّ الّذى في المهد وكان الصّبىّ من أقارب زليخا ابن عمّها أو ابن خالتها وقيل : كان ابن أخت العزيز جاءت الى دار العزيز حين سمعت النّزاع فيها ومعها ابنها ابن ثمانية ايّام أو ثمانية أشهر وكان العزيز قد سلّ سيفه غضبا على يوسف (ع) وهمّ بقتله فالتجأ يوسف (ع) الى الله وقال : اللهمّ ادفع عنّى هذه التّهمة والقتل ؛ فنطق الصّبىّ من غير سبق سؤال (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها) اى الصّبىّ (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ) ادّى الشّهادة بما يكون دليلا عليه (فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ) عتابا عليها (إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَ) أشرك سائر النّساء اشارة الى انّ الكيد في أمثال تلك سجيّة للنّساء ليكون العتاب مشوبا بالاعتذار عنها مراعاة لما هو شأن النّصح والوعظ من امتزاج التّهديد والارجاء والرّحمة والغضب وحفظا لعرضه عن الافتضاح ، ويدلّ عليه وصيّته ليوسف (ع) بالكتمان (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) في مراودة الرّجال لوجود المقتضى في سجيّة الرّجال وعدم المانع حين مراودتكنّ وقلّما ينفكّ الرّجل عن شرّ كيد كنّ (يُوسُفُ) بحذف حرف النّداء (أَعْرِضْ عَنْ هذا) أوصاه بالكتمان صونا لعرضه ، وقيل : ما وفي يوسف (ع) وأخبر بما كان لانّ النّاس كانوا يلومونه على ما سمعوه منه ثمّ اعرض عن يوسف (ع) وخاطب زليخا بالأمر بالاستغفار وبالتّلطّف معها في ضمن التّعيير فقال (وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ) ذكر جمع المذكّر تغليبا وجريا على ما هو الغالب على الألسن من الإتيان بجمع المذكّر (وَقالَ نِسْوَةٌ) أتى بالفعل بدون التّاء مع نسبته الى المؤنّث الحقيقىّ الغير المفصول نظرا الى صورة الجمع المكسّر ؛ على ان يكون جمعا للنّساء الّذى هو جمع للمرأة وقيل : النّسوة بكسر النّون وضمّها والنّساء والنّسوان والنّسون بكسرهنّ كلّها اسم جمع للمرأة ، وقيل : كلّها جمع لا واحد لها من لفظها وإسقاط التّاء للاشعار بانّهنّ كنّ موصوفات بخصال الرّجال لافتتانهن بجمال يوسف (ع) حين مشاهدتهنّ ايّاه ، وقيل : كنّ أربعا أو خمسا أو اربع عشرة وقيل : صارت القضيّة منتشرة بين نساء مصر حتّى انّ أكثر النّساء كنّ يتحدّثن بها (فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ) تعييرا لها بافتتانها بعبد مملوك لها وكأنّهنّ كنّ مفتتنات به وكنّ يردن بذلك ان يخرجه العزيز من داره لعلّهنّ يرينه بسبب ذلك ولذلك سمّاه مكرا فيما يأتى (قَدْ شَغَفَها حُبًّا) أحاط بها من الشّغاف بمعنى الغلاف يعنى اعميها واصمّها بحيث لا تبصر معايب المراودة ولا تسمعها ممّن يعيبها لانّها كانت كلّما تسمع الملامة يزداد عشقها ويشتدّ التهاب شوقها كما قيل :
نسازد عشق را كنج سلامت |
|
خوشا رسوائى كوى ملامت |
ملامت شحنه بازار عشق است |
|
ملامت صيقل زنگار عشق است |
أو وصل الى باطنها بحيث ملأ جميع أركانها من شغاف القلب بمعنى باطنها أو وصل من باطن قلبها الى ظاهره فأحاط به من شغاف القلب بمعنى غشائه المحيط به.