قال : (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَ) ، بالسّجن بسبب توجّهه الى السّجن وغفلته عن العصمة واخذه (ع) حين قال اذكرني عند ربّك ، بتوسّله الى المخلوق باللبّث في السّجن بضع سنين ولم يذكروا انّه تعالى أخذه بتلك المعصية العظيمة كأنّهم سفّهوا الحقّ تعالى بالمؤاخذة على الالتفات الى الغير في محضر حضوره وعدم المؤاخذة على المخالفة وارتكاب معصية عظيمة في حضوره بل ذكروا انّ الآية في مدحه (ع) بطهارة ذيله ، ولو كانت كما ذكروها لكانت غاية الّذمّ له (ع) ، وقد ذكر انّ كلّ من كان له ارتباط بتلك الواقعة شهد بطهارته وهم اغمضوا عن ذلك ونسبوه الى التّلوّث ، فانّ الله تعالى قال (كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ) ، والعزيز قال (إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَ) والشّاهد الصّبىّ قال : (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ) الى الآخر والنّسوة قلن (حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ) وزليخا قالت (الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) وإبليس قال : (لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) وقد كان بنصّ الآية من المخلصين.
والمراد بالبرهان هو السّكينة الّتى كانت تنزل على الأنبياء (ع) والمؤمنين وبها كانت نصرتهم على الأعداء في العالم الكبير والصّغير ، وقد مضى انّها تجلّى ملكوت الشّيخ على صدر السّالك وانّها الاسم الأعظم الّذى يفرّ منه الشّيطان ، وقد كان شيخ يوسف (ع) الّذى تاب على يده وبايعه البيعتين أباه يعقوب (ع) ، وبرهان الرّبّ هو صورته الملكوتيّة النّازلة على صدره ، وذكر الرّؤية يشعر بها وفي الاخبار ما يدلّ عليه نصّا أو اشعارا ، واختلاف الاخبار في تفسير البرهان يمكن رفعه بما ذكر ، فقد ورد انّ البرهان كان جبرئيل (ع) لانّه نزل حين همّتها وقال : يا يوسف (ع) اسمك في الأنبياء مكتوب فلا يكوننّ عملك عمل الفجّار ، وورد انّه رأى صورة يعقوب (ع) ، ونقل انّه رأى يدا بينه وبين زليخا ، وفي أخبارنا انّ البرهان ما قاله لها حين سترت الصّنم : أنت تستحيين من صنم لا يبصر ولا يسمع وانا لا استحيى ممّن خلق الإنسان وعلّمه؟! ونقل انّ البرهان اسم ملك أو انّ طيرا ظهر عليه أو انّ حوراء من حور الجنّة ظهرت عليه أو انّه ايّد بالنّبوّة حين مراودتها ، وقد قيل فيه أشياء أخر لا ينبغي ذكرها ، والحقّ انّ البرهان هو ما ذكرنا وانّه لغاية الانزجار عن مراودتها والدّهشة عن محادثتها انسلخ عن البشريّة واتّصل بعالم الملكوت وفاز بشهود الملكوت وأنوارها واستلذّ بجمال شيخة بحيث لم يبق له حالة توجّه والتفات الى زليخا ومحادثتها ، وما ورد في الاخبار من انكار ظهور يعقوب (ع) أو جبرئيل (ع) أو غيرهما فانّما هو باعتبار ما يذكره العامّة من انّه ظهر حين أراد يوسف (ع) الفجور ومنعه عن الفجور فالانكار في الحقيقة راجع الى ما يستفاد من قولهم من الاشعار بهمّة يوسف (ع) للفجور (كَذلِكَ) امّا متعلّق بقوله تعالى همّ بها اى همّ بها مثل همّها به ، وتخلّل لولا ان رأى بينهما لئلّا يتوهّم تحقّق همّه مثل همّها وانقطاع لو لا ان رأى عمّا قبله وقوله (لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ) جواب سؤال بتقدير أريناه وهذا أوفق بما ورد من تفاسير ائمّتنا (ع) من جعل هم بها جزاء للولا في المعنى أو هو مع عامله المحذوف جملة مستقلّة ولنصرف متعلّق به اى كذلك عصمناه لنصرف عنه السّوء اى الخيانة في حقّ من أكرم مثواه والفحشاء اى الزّنا (إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ) في موضع التّعليل وقرئ بفتح اللّام وكسرها (وَاسْتَبَقَا الْبابَ) تسابقا ؛ بقصده الفرار منها وقصدها منعه (وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ) اى وصلت اليه وتمسّك بقميصه لتمنعه من الخروج فقدّته (مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيا سَيِّدَها) زوجها العزيز (لَدَى الْبابِ قالَتْ) جواب سؤال مقدّر اى بعد ما رأت العزيز واستحيت منه ورأت افتضاحها وانّه لا يمكن لها انكار الفضيحة قالت دفعا للتّهمة عن نفسها ورميا بها غيرها لا يهام انّها فرّت منه كما هو شأن كلّ خائن بعد