من الرّؤيا ما يشاهده النّفس في عالمي المثال من صور الطّبيعيّات الموجودة أو الآتية أو الماضية لكن قلّما يتّفق ان تشاهد الماضية لتوجّه النّفس الى الحال والآتي وادبارها عن الماضي ، فما تشاهد في المثال العلوىّ فهو امّا بشارة من الله أو تحذير وإنذار أو تنبيه واخبار ، وما تشاهد في المثال السّفلىّ فهو امّا غرور من الشّيطان على المعاصي أو تحذير منه عن الطّاعات أو اخبار بالآتيات غرورا منه أو استدراجا من الله ومنها ما تشاهده بإراءة المتخيّلة وتصويرها ممّا لم يكن واقعا وهو أضغاث الأحلام ، والأحلام جمع الحلم وهو ما يراه النّائم في المنام مطلقا أو ما يراه في المنام من غير حقيقة له (وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ) كأنّهم اعتذروا عن عدم علمهم بكون الرّؤيا من أضغاث الأحلام الّتى لا تعبير لها وبينما ذاك السّؤال تذكّر السّاقى يوسف (ع) ومهارته في تعبير الرّؤيا فذكر انّى اعلم عالما بتعبير الرّؤيا كما قال تعالى (وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ) من الزّمان سبع سنين (أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ) الى من أريد فاذنوا له فجاء الى يوسف (ع) وقال (يُوسُفُ) يا يوسف (أَيُّهَا الصِّدِّيقُ) منصوب على الاختصاص أو منادى ثان والمقصود ذكره بوصف مدح ترغيبا في الاهتمام بالتّعبير (أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ) يعنى بعلم تأويل ذلك لاستبعاد ترجّى الرّجوع المطلق (لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ) تأويله أو يعلمون قدرك ومنزلتك فيخرجونك من السّجن قيل : انّه نسب الرّؤيا الى نفسه فقال يوسف (ع) : ما أنت رأيت ذلك ولكنّ الملك رأى وعبّر الرّؤيا ثمّ بيّن لهم تدبير ذلك كما حكى الله بقوله (قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً) قرئ بسكون الهمزة وفتحها وهما مصدرا دأب في الأمر استمرّ على عادته فيه وهو جواب السّؤال كان مذكورا لم يحك أو لسؤال مقدّر كأنّه قال : ما ندبّر لذلك؟ ـ قال : تزرعون ، ويجوز ان يكون تعبيرا للرّؤيا مع شيء زائد فانّه أفاد القحط والتّدبير والخصب قبل القحط (فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ) لئلّا يفسد ويتدوّد (إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ) في تلك السّنين تخرجونه من سنبله (ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ يَأْكُلْنَ) نسبة الاكل الى السّنين مجاز عقلىّ ومراعاة للتّطبيق بين الرّؤيا وتعبيرها (ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ) لبذور الزّراعات واحتياط المجاعة قبل وصول الزّراعة (ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ) من الغيث أو من الغوث (وَفِيهِ يَعْصِرُونَ) قرئ بالبناء للفاعل اى يعصرون العنب والزّيتون وكلّما يعصر لكثرتها ، وقيل : يعصرون الضّروع بمعنى يحلبون ، وقرئ تعصرون بالخطاب تغليبا للخاطب على الغيّاب ، وقرئ بالبناء للمفعول من عصره إذا أنجاه اى ينجون من القحط ، أو من أعصرت السّحابة عليهم إذا امطرهم ، وقراءة أهل البيت (ع) على ما وصل إلينا كانت هكذا بمعنى يمطرون ، فخرج الرّسول من عنده وجاء الملك بالتّعبير والتّدبير فلمّا سمع الملك ذلك ارتضاه وطلب ملاقاة يوسف (ع) (وَقالَ الْمَلِكُ) لخواصّه (ائْتُونِي بِهِ) فأرسلوا اليه لإحضاره (فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ) وقال انّ الملك يطلبك ويستحضرك (قالَ) انّى اتّهمت عند الملك بالخيانة ومراودة النّساء وما لم اخرج من الاتّهام لم آت الملك لعدم منزلة وعرض لي عنده (ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ) اى العزيز أو الرّيان (فَسْئَلْهُ) ان يتجسّس ويطلب (ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَ) فانّى اتّهمت بهنّ حتّى يعلم انّى لم أكن خائنا وسجنت ظلما ولم يذكر امرأة العزيز مع انّ الاتّهام والسّجن كانا منها تكرّما وصونا