للرّسل (ع) بتبليغ الأحكام ، والاذن في الخروج عبارة عن استعداد الخلق للسّلوك والخروج من هذه الجهنّام الى تلك الجنان وعن امره التّكوينىّ والتّكليفىّ على السنة الخلفاء بالخروج ، ولمّا كان القلب صراطا الى العقل والعقل صراطا الى الحقّ العزيز أبدل من قوله الى النّور قوله الى صراط العزيز الحميد (اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أبدل الله من العزيز اشعارا بوصفه الى علّة عزّته ومحموديّته (وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ) بالله أو بمحمّد (ص) أو بالكتاب أو بالنّور أو بالصّراط (مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ) الويل الهلاك أو هو واد في جهنّم أو بئر (الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ) صفة للكافرين وبيان له.
اعلم ، انّ الإنسان واقع بين الدّنيا والآخرة وبعبارة اخرى بين مراتب النّفس ومدارج القلب وهو فطريّ التّعلّق ذاتىّ الرّبط فان كفر بالآخرة تعلّق بالدّنيا ، وان كفر بالدّنيا تعلّق بالآخرة ، وكلّ ما تعلّق به اختاره على ما لم يتعلّق به فالكافر بالآخرة لا محالة متعلّق بالدّنيا ومختار لها على الآخرة والمتمكّن في الكفر يستمرّ استحبابه للدّنيا كما انّ المتمكّن في الايمان يستمرّ استحبابه للآخرة ، والمتلوّن فيهما قد يستحبّ الدّنيا وقد يستحبّ الآخرة ولمّا كان صيغة الكافرين بحسب الاستعمال يتبادر منها المتمكّنون في الكفر أتى بالاستحباب بصيغة المضارع الدّالّ على الاستمرار وعقّبه بقوله (وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً) مضارعا دالّا على الاستمرار والّا فالمتلوّنون في الكفر كثيرا ما لا يصدّون عن سبيل الله ولا يبغونها عوجا بل يبغونها قيّما (أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) نسبة البعد الى الضّلال مجاز (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ) كأنّهم توهّموا انّ الرّسول من الله لا بدّ وان يكون لسانه لسانا عربيّا لا يعرفه أحد من أصحاب اللّغات ولعلّهم اجروا على ألسنتهم ذلك فقال : وما أرسلنا رسولا الّا بلسان قومه (لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) فانّ المقصود من الإرسال التّبليغ ولا يمكن الّا بالبيان الّذى يتفطّن به المرسل إليهم ، وما يقال : انّ الآية تدلّ على انّه (ص) رسول الى العرب خاصّة لا يتجاوز رسالته غيرهم في غاية البعد للفرق بين ان يقال : ما أرسلنا رسولا الّا بلسان قومه وبين ان يقال : ما أرسلنا رسولا الا الى أهل لغته (فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) بالخذلان والتّوفيق (وَهُوَ الْعَزِيزُ) لا يمنع ممّا يشاء (الْحَكِيمُ) لا يخذل ولا يوفق الّا عن حكمة مقتضية له (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ) قد غلّب اليوم في العرف للواقعة الغريبة الواقعة فيه فايّام الله على هذا عبارة عن الوقائع الواقعة على الأمم الماضية وقد فسّرت في الاخبار بنعم الله وآلائه ، وهذا التّفسير من تشريف الاضافة الى الله فانّ اليوم المنسوب الى الله لا بدّ وان يكون أشرف الايّام ، وشرافته بانعامه تعالى فيه فاستعمل الايّام في النّعم الّتى وقعت فيها هذا بحسب الظّاهر ، وامّا على التّحقيق فايّام الله عبارة عن مراتب الآخرة ومقامات الإنسان من عالم المثال والنّفوس والصّافّات صفّا والمقرّبين ومن القلب والرّوح والعقل الى آخر المراتب وكذا المراتب النّازلة من جهنّام النّفس ودركاتها والجحيم وطبقاتها ، ولعلّ التّفسير بالوقائع والنّقم وبالآلاء والنّعم للاشارة الى ما في تلك المراتب (إِنَّ فِي ذلِكَ) التّذكير (لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ) على البلاء (شَكُورٍ) على النّعماء (وَإِذْ قالَ مُوسى) وذكّرهم إذ قال موسى (لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ) باستعبادكم (وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ