الحقّ تعالى ولا بحسب القوّة النّظريّة على التميز بين الحقّ والباطل ولذلك فسّر المستضعفين بقوله تعالى (لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً) بحسب العمل (وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً) بحسب النّظر وقد يفسّر المستضعف بمن لم يسمع دينا ومذهبا سوى عاديّاتة وهو راجع الى الاوّل لانّ العجز امّا من جهة أصل الفطرة أو من جهة عدم المنبّه (فَأُولئِكَ) مع عدم خروجهم عن دار شركهم (عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ) عن إقامتهم في دار الشّرك (وَكانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُوراً) من قبيل عطف العلّة (وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ) لمّا فرغ من بيان حال المقصّر والقاصر المتوطّن في دار الشّرك أراد أن يبيّن حال الخارج من بيت الشّرك وهو امّا يخرج في الظّاهر من بيت وطنه الصّورىّ أو في الباطن من بيت نفسه الامّارة في طلب الإسلام وليس له جهاد لانّ الجهاد بعد قبول الإسلام ومعرفة الأعداء بإذن النّبىّ أو الامام ، أو يهاجر في سبيل الله بعد إسلامه في طلب الايمان من بيته الصّورىّ أو المعنوىّ ولهذا المهاجر يتصوّر الجهاد بمراتبه امّا بالأموال والأنفس ، أو فانيا عن الأموال والأنفس بمحض الأمر من غير تعلّق الخاطر بغير الأمر ، أو بالله بالفناء عن الأمر أيضا ولم يذكر الخارج من دار إسلامه أو دار ايمانه الى دار الشّرك لعدم الاعتناء به ولاستفادته من مفهوم المخالفة وأشار الى المهاجر بعد الإسلام في سبيل الله بقوله : ومن يهاجر في سبيل الله (يَجِدْ فِي الْأَرْضِ) بمعانيها (مُراغَماً كَثِيراً) من الرّغام وهو التّراب بمعنى المذهب والمهرب والمغضب والمراد به محلّ تفرّج وتنزّه من الأرض بحيث يرغم الأعداء (وَسَعَةً) في الأرض أو في نفسه أو في معيشته أو في سيره ظاهرا أو باطنا ، وقدّم بيان حال المهاجر بعد الإسلام على الخارج الى الإسلام لشرفه وان كان مؤخّرا برتبته ، وأشار الى الخارج الى الإسلام بقوله تعالى (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ) ظاهرا وباطنا (مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ) ذكر الى الله للاشارة الى انّ الخارج من بيت الشّرك ذاهبا الى الرّسالة في طلب الإسلام ذاهب الى الله لانتهائه الى الله ، ولانّ الرّسول مظهر الآلهة ولذا لم يكرّر لفظ الى (ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ) اختيارا بالجذبة الإلهيّة أو اضطرارا في السّبيل الظّاهرىّ أو الباطنىّ (فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ) اى لا ينبغي ان يتكفّل أداء اجره غيره وفيه بشارة تامّة لهم (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) فيغفر مساويه الغير الزّائلة عنه ويرحمه بإعطاء اجره بلا واسطة ان كان نزول الآية في جندب بن ضمرة حين خرج من مكّة الى المدينة فمات ، أو النّجاشىّ حين خرج الى المدينة فمات ؛ لا ينافي تعميمها ، ولمّا ذكر المجاهدين والمهاجرين أراد أن يبيّن حكمهم في العبادات فقال تعالى (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) شرائط القصر وكيفيّته غير محتاجة الى البيان ، ونفى الجناح لا ينافي وجوب القصر لانّه تعالى جرى على طريقة المخاطبات العرفيّة وآداب الملوك من نفى البأس والحرج عن الشّيء وارادة الأمر به ، وبعد ما علمت انّ الصّلوة هي ما به يتوجّه الى الله والأصل فيه محمّد (ص) وولايته ثمّ علىّ (ع) وخلافته ، ثمّ الأعمال القلبيّة والقالبيّة المأخوذة منهما الّتى تصير سببا للتّوجّه اليه تعالى أمكنك تعميم السّفر وتعميم الصّلوة والقصر (إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) اشارة الى الحكمة في تشريع القصر لا انّه تقييد للحكم فلا ينافي وجوب القصر في حال الا من على انّ حجّيّة مفهوم الشّرط غير مسلّم بل هو بحسب المفهوم كسائر المجملات ، واعتباره وعدم اعتباره محتاج الى القرينة ، ويحتمل ان يكون المراد صلوة الخوف وقصرها ويكون قصر مطلق الصّلوة في السّفر من قبيل المجملات