العقل من حيث كونه فعل القوى من غير تعدّد في الحيثيّة أيضا فالرّؤية مثلا فعل الباصرة وهي من حيث انّها فعل الباصرة فعل العقل لكن في مرتبة الباصرة لا في مرتبته العالية ، بل فعله الخاصّ به في مرتبته العالية هو التّعقّل اعنى درك الأشياء مجرّدة عن غواشي المادّة والتّقدّر والتّحدّد والتّشكّل ، علم انّ الفاعل في كلّ فعل دانيا كان أو عاليا هو الله سبحانه ، لكن لكلّ مباشر خاصّ ينسب الفعل اليه والى الله باعتبار تشأّنه وظهوره بفاعله الخاصّ وله باعتبار مرتبته المخصوصة فعل خاصّ به لا ينسب الى غيره ، فالعقل مظهر لله سبحانه في مرتبته الخاصّة والنّفس مظهر لملك الموت ، والقوى والمشاعر مظاهر للملائكة والرّسل ، فالباصرة كالملك تباشر نزع الصّور عن الموادّ ، والنّفس كملك الموت تنزع عن الصّور المجرّدة عن الموادّ الصّور المجرّدة عن التّحدّدات والتّشكّلات المخصوصة مع تقدّرها ، والعقل كالله ينزع الكلّيّات عن الصّور مع انّ نزع الاوّل أيضا فعل العقل بواسطة الباصرة والنّزع الأخير فعله بلا واسطة فاختلاف الآيات والاخبار باعتبار اختلاف المباشر واختلاف المراتب مع صحة الانحصار في قوله تعالى (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ) ، واختلاف المباشر باعتبار اختلاف النّفوس مثل مباشر نزع النّفوس النباتيّة والحيوانيّة والانسانيّة ، وفي النّفوس الانسانيّة أيضا مراتب فنفس يقبضها الله بلا واسطة ، ونفس يقبضها ملك الموت ، ونفس يقبضها الملائكة والرّسل ، ومقبوض الملائكة مقبوض لملك الموت ولله ، ومقبوض ملك الموت مقبوض الله ، والمراد بظلم النّفس هاهنا غير ما ذكر في قوله تعالى : (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) لانّ الظّالمين لأنفسهم هنا محكوم عليهم بالجحيم وهناك بالجنّة ، فالمراد بظالمى أنفسهم هاهنا من لزم دار شركه ولم يخرج من بيت شركه الى الله ورسوله ، وهناك من خرج من بيت شركه الى الله ورسوله ولكن وقف ولم يهاجر في سبيل الله ، فانّه محكوم عليه بالقعود عن الجهاد وعن الهجرة. وبعبارة أخرى الظّالم هاهنا في العالم الصّغير من لزم بيت نفسه الامّارة ولم يخرج منه الى مدينة صدره ليصل الى الرّسول وقبول الإسلام فهو مخلّد في جحيم طبعه وبعد الموت في جحيم الآخرة ، وهناك من خرج من بيت نفسه الامّارة الى مدينة صدره ووصل الى الرّسول وقبل الإسلام وبدليل ايراثه الكتاب اى كتاب النّبوّة بقبول احكام الرّسالة ولم يهاجر من مدينة صدره الى الجهاد الأكبر في تحصيل الولاية فهو محكوم عليه بدخول الجنّة لكن ليس له درجة المجاهدين في تحصيل الولاية. وما روى عن الصّادق (ع) في تفسير الظّالم لنفسه هناك من انّه : يحوم حول نفسه ؛ يشعر بما ذكر (قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ) بهذه الأدناس والارجاس اى في اىّ حال كنتم حتّى خرجتم بهذه الارجاس ولم ما طهّرتم نفوسكم في حيوتكم؟ ـ (قالُوا) اعتذارا (كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ) غلب علينا أهل الشّرك بحيث لا يمكننا تغيير حالنا (قالُوا) ردّا لاعتذارهم (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها) اى فان تهاجروا أو فلم تهاجروا يعنى ان لم يمكنكم التّغيير في أرضكم لا مكنكم المهاجرة عنها ، والأرض اعمّ من ارض العالم الكبير وارض العالم الصّغير وارض كتب الأنبياء وسير أحوالهم وارض احكام الملل المختلفة وتمييز المستقيم منها عن السّقيم (فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً) لا منافاة بين خصوصيّة النّزول والتّعميم الّذى ذكرنا على وفق ما أشير اليه في الاخبار (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ) استثناء منقطع ان خصّص ظالمو أنفسهم بالمقصّرين وان عمّ المقصّرين والقاصرين فمتّصل فانّ المقيم في دار شرك النّفس امّا متمكّن من الخروج بحسب القوّة النّظريّة والعمليّة أو غير متمكّن والاوّل مقصّر والثّانى قاصر ، والمستضعف من لا قدرة له بحسب القوّة العمليّة على الأعمال الّتى تطهّر قلبه عمّا يحجبه عن إفاضات