(وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ) واذكر تعلّما أو ذكّر تعليما.
اعلم ، انّ في قصّة موسى (ع) وخضر (ع) أنواعا من العبر وتعليما لكيفيّة الطّلب وانّ الطّالب لطريق الآخرة ينبغي ان يكون همّته الوصول الى الإنسان الكامل الّذى هو مجمع بحري الوجوب والإمكان ومرآة تمام الأسماء والصّفات الحقّيّة وجميع الحدود والتّعيّنات الخلقيّة وان يكون له عزم في الطّلب الى انقضاء عمره ، وتعليما لكيفيّة المسئلة بعد الوصول ليحصل له القبول ، ولكيفيّة الصّحبة بعد القبول ، وبيانا لاوصاف الشّيخ وانّ الشّيخ كيف ينبغي ان يربّى ويروّض ، وبيانا لتمام مقامات السّالكين الى الله كما يأتى كلّ في مقامه. والفتى والفتاة يقالان للعبد والامة ، وللخادم والخادمة ، وللمطيع والمطيعة ، وللمؤمن والمؤمنة ، ولصاحب الفتوّة الّذى يؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة ، وللشّابّ ، والشّابّة ، والمراد به هاهنا يوشع بن نون (ع) وصىّ موسى (ع) ودليل إرشاده وواسطة بيعته وخليفة نبوّته وكان فتاه بتمام معانيه حيث انّه باع نفسه من الله بواسطته ، وكان خادمه ومطيعه ، ومؤثّرا له على نفسه وشابّا بروحه ، وكان سبب طلب موسى (ع) بعد مقام الرّسالة وفضل العزم كما يستفاد من الاخبار انّه لمّا كلّمه الله وآتاه الألواح وفيها كما قال الله : (وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ) رجع الى بنى إسرائيل فصعد المنبر وأخبرهم بما أعطاه الله ، فدخل في نفسه انّه ما خلق الله خلقا أعلم منه فأوحى الله الى جبرئيل : أدرك موسى (ع) فقد هلك وأعلمه انّ عند ملتقى البحرين عند الصّخرة رجلا اعلم منك فصر اليه وتعلّم من علمه ، فنزل جبرئيل (ع) وأخبره وذلّ موسى (ع) في نفسه وعلم أنّه اخطأ ودخله الرّعب وامر فتاه يوشع (ع) ان يتزوّد لطلب ذلك الرّجل.
اعلم ، انّ العجب ورؤية الكمال من النّفس من أعظم المهلكات فانّه أصل معظم المعاصي واوّل معصية وقعت في الأرض لانّه الّذى منع إبليس من السّجود وأوقعه في الاستكبار ، ثمّ الحقد والعداوة ، ثمّ المكر والخديعة أعاذنا الله منه وجميع المؤمنين ، بل نقول : إرسال الرّسل وإنزال الكتب ومعاناة الأنبياء (ع) ومقاساة الأولياء (ع) وطاعات الخلق ومجاهداتهم وامتحان الله لهم وابتلاؤهم بأنواع البلاء لخروجهم من الانانيّة ورؤية النّفس ولذلك قيل : تمام اهتمام المشايخ في تربية السّلّاك لان يخرجوا من الانانيّة ونسبة شيء من الأفعال والأوصاف الى أنفسهم فاذا رأى الشّيخ من السّالك رؤية النّفس والاعجاب بها انزجر منه كما الانزجار (لا أَبْرَحُ) عن السّير والطّلب (حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ) بحري الرّوم والفارس الّذى وعد الله تعالى موسى (ع) لقاء مجمع بحري الإمكان والوجوب عنده (أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً) الحقب الدّهر والزّمان لكنّ المراد كما فسّر في الخبر ثمانون سنة دلّ موسى (ع) بلفظ لا أبرح الّذى يدلّ على دوام السّير ولفظ الحقب الّذى هو منتهى ما يمكن من عمره على ثبات عزمه على الطّلب بحيث لا يشغل بغيره حتّى يصل الى مطلوبه أو يفنى عمره في طلبه ، والمقصود من نقله تعليم طريق الطّلب وثبات العزم عليه وانّ الطّالب لطريق الآخرة ينبغي ان يكون كذلك والّا رجع يخفى حنين (فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما) تركاه غفلة منه أو نسيا امره حين حيي ودخل البحر ونسي يوشع (ع) ان يخبر موسى (ع) بأمره وقد كان علامة لقائه العالم حيوة الحوت المملوح كما سيجيء الاشارة اليه ، ونسبة النّسيان إليهما مع انّه كان من يوشع (ع) من باب التّغليب وهو تغليب شائع كثير غالب على لسان العرف (فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً) سلوكا أو سالكا ، مصدر من غير لفظ الفعل أو حال ، وقد اختلف الاخبار اختلافا كثيرا في ذكر الحوت وكونه علامة للوصول الى العالم وكيفيّة حيوته وانفلاته الى البحر وكيفيّة نسيانه ، والسّرّ في اختلافها الاشعار بالتّأويل وانّ صورة التّنزيل عنوان لحقيقة التّأويل فانّ تنزيله كما يستفاد من مجموع الاخبار ما حاصله انّ موسى (ع) قال لجبرئيل (ع) باىّ علامة اعرف الوصول الى مجمع البحرين؟ ـ قال : آيتك ان تحمل معك حوتا فاذا انتعش وحيي دلّك على