وصل الى الحقّ صار عبدا ، ولا كلّ من صار عبدا صار نبيّا ، ولا كلّ نبىّ رسولا ، ولا كلّ رسول خليلا ، ولا كلّ خليل إماما ؛ ولمّا كانت الامامة بهذا المعنى خلافة مطلقة كلّيّة ونهاية لجميع المراتب واستشعر الخليل (ع) بأنّها آخر مراتب الكمالات الانسانيّة صار مبتهجا ومن ابتهاجه قال : ومن ذرّيّتى (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) اللّام للاختصاص وقد يستعمل باعتبار المبدأ وقد يستعمل باعتبار الغاية وقد يستعمل باعتبار المملوكيّة كما يقال : هذا البيت لفلان يعنى بانيه ومصدر بنائه فلان لا غير ، أو هذا البيت لسكنى الشّتاء أو لسكنى الصّيف باعتبار غايته ، أو هذا البيت لفلان يعنى فلان مالكه من غير شراكة الغير ، والمراد في هذا الموضع وأمثاله معنى عامّ يشمل المعاني الثّلاثة ، يعنى لله ما فيهما بدوا وغاية وملكا وهو عطف أو حال فيه اشعار بالتّعليل وكذا قوله تعالى (وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً) كأنّه قال : لا أحد أحسن حالا ممّن أسلم وجهه لله واتّبع خليله ، لانّ كلّ ما في السّماوات والأرض مملوك له وله العلم بكلّ شيء فيعلم من أسلم وجهه له ويعلم مرتبته وقدر استحقاقه فلا يمسك عنه ما هو مستحقّ له (يَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ) اى في حكم نسائهم من الالفة والفرقة بقرينة (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها) الآية) أو في حكم مطلق النّساء من الإرث بقرينة (فِي يَتامَى النِّساءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَ) أو في حكم النّساء بحسب الإرث من الأزواج كما مضى حكمه ، أو من الأرحام كما مضى أيضا ، أو بحسب المعاشرة كما يأتى (قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَ) وفي نسبة الإفتاء الى الله في الجواب اشارة الى انّ ما يقوله (ص) ليس منه برأى واجتهاد وظنّ وتخمين كما سيحدّثونه ، بل هو فتيا الله على لسانه امّا لفنائه من نفسه أو لوحى منه (وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ) عطف على الله أو على المستتر في يفتيكم وسوّغه الفصل ، أو هو بتقدير فعل هو يبيّن أو ما نافية والجملة معطوفة على جملة (اللهُ يُفْتِيكُمْ) أو حاليّة بتقدير مبتدء والمعنى ما يتلى افتاؤه بعد عليكم (فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ) متعلّق بيتلى أو بدل من قوله فيهنّ (اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَ) وبذكر (ما كُتِبَ لَهُنَ) أشار الى انّ لهنّ ميراثا مفروضا وقد بيّن في اوّل السّورة ما لهنّ بحسب الإرث من الأزواج ومن الأرحام كانوا في الجاهليّة لا يورثون الصّغير ولا المرأة ويقولون : الإرث لمن تمكّن عن المقاتلة والمدافعة عن الحريم وحيازة الغنيمة (وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَ) إذا لم يكنّ ذوات جمال ولا يكون لهنّ اموال أيضا فترغبون عنهنّ لعدم المال والجمال (وَالْمُسْتَضْعَفِينَ) عطف على يتامى النّساء (مِنَ الْوِلْدانِ) جمع الوليد وقد مضى حكمهم بحسب الإرث والحفظ والمال جميعا في اوّل السّورة (وَ) يفتيكم أيضا في (أَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ) عطف على يستفتونك أو على الله يفتيكم على ان يكون من جملة مقول القول يعنى قل لهم ما تفعلوا من خير في ارث النّساء وقسامتهنّ وفي حفظ اليتامى وأموالهم لا يضع عملكم (فَإِنَّ اللهَ كانَ بِهِ عَلِيماً وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً) سوء عشرة معها ومنعها من حقوقها لمّا قدّم ذكر خوف نشوز المرأة ذكر هاهنا خوف نشوز المرء (أَوْ إِعْراضاً) تجافيا وعدم توجّه إليها مع اعطائها حقوقها من النّفقة والكسوة والقسامة فانّ النشوز عدم القيام بما يجب عليه والاعراض لما ذكر في مقابله يكون غيره (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً) قرئ يصلحا من باب الأفعال وحينئذ يجوز ان يكون صلحا مفعولا به اى يوقعا صلحا وان يكون بينهما مجرّدا عن الظّرفيّة مفعولا به ، وان يكون المفعول به محذوفا وقرئ يصّالحا ويصّلحا بتشديد الصّاد