الحكم ما لا يخفى (وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً) عطف فيه تعليل لانّ اقتضاء حكمته الّتى هي مراقبة الأمور الدّقيقة وإعطاء كلّ ذي حقّ حقّه جليلا كان أو حقيرا مع العلم باستعداد العباد واستحقاقهم حين توبة العبد وقربه من داره الاصليّة واستحقاقه للقبول والوصول الى داره قبول توبته (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) بيان وتأكيد لمفهوم الآية الاولى كأنّه تعالى قال : انّما التّوبة لهؤلاء لا لغيرهم ، وفي إيراد السّيّئات بالصّيغة الّتى فيها شوب مبالغة مجموعة محلّاة باللام من غير تقييد بالجهل اشارة الى انّ المسوّفين للتّوبة أبطلوا الفطرة ومن أبطلوا الفطرة صاروا متجوهرين بالجهل فلم يبق ميز واثنينيّة بين الجهل وذواتهم وانّ مساويهم لتجوهرهم بالجهل وان كانت قليلة القبح فهي بالغة في القبح ، وانّهم عاملون لجميع السّيّئات لتجوهرهم بالجهل الّذى هو مصدر الجميع ، وكلّ من تجوهر بالجهل كلّ ما عمل فهو سيّئة فكأنّه قال : ليست التّوبة للّذين يعملون السّيّئات جميعها (حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ) يعنى عاين الموت كما في الاخبار (قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) وفي هذه الآية من التّحقير والتّأكيد ما لا يخفى وهذه الآية كأنّها معترضة بين آيات الآداب لاستطراد ذكر التّوبة (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً) كانوا في الجاهليّة يرثون نكاح أزواج مورّثهم بالصّداق الّذى أصدقه المورّث فنهوا عنه (وَلا تَعْضُلُوهُنَ) لا تمنعوهنّ عن النّكاح ضرارا (لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَ) كما هو شائع في زماننا هذا (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) ما يؤدّى الى الشّقاق مع الأزواج فانّه يحلّ لهم حينئذ الافتداء من المهر وغيره وخلعهنّ (وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) حسن العشرة بما يستحسنه العقل والشّرع ممدوح مع كلّ أحد خصوصا مع من كان تحت اليد ولا سيّما الحرّة الّتى صارت مملوكة لك بسبب المهر (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً) قيل كان الرّجل إذا أراد جديدة بهّت الّتى تحته ليفتدي منها ويصرفه في الجديدة فمنعوا منه (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ) مائه (إِلى بَعْضٍ) واستحلّ رحمه بما أعطاه (وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) هو الكلمة الّتى جعلها الله ميثاقا اكيدا بين الأزواج ورتّب عليها احكاما كثيرة غليظة هي الأحكام الّتى للزّوج على الزّوجة وللزّوجة على الزّوج (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ) وان علوا فتستحقّوا عليه العقوبة (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) فانّه لا عقوبة عليه وذكر من النّساء بيان لا تقييد (إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً) لانّ ذوي مروّاتهم كانوا يسمّونه نكاح المقت والولد منه المقتىّ (وَساءَ سَبِيلاً) فانّه سبيل أهل الجهل ويؤدّى الى النّار في العاقبة ولم يجعلها الله تعالى في عداد المحرّمات الآتية فانّه حيث قال : وحلائل أبنائكم ينبغي ان يقول وخلائل آبائكم لانّ نكاح سائر المحرّمات لم يكن شائعا بينهم كشيوعه فكان توكيد تحريمه وافراده بالّذكر مطلوبا لشيوعه (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) اى نكاحهنّ بقرينة الحال والمقام (وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ