الّذين ليس شأنهم التّفتيش والتّحقيق بل نقول : هذا باب من العلم ينفتح منه الف باب لأهل التّحقيق والبصيرة ، وأهل الله من أهل المكاشفة اكتفوا في بيان هذا الباب بالاشارات من غير كشف حجاب اقتفاء لسنّة السنّة وسيرة الكتاب ولم يأت أحد منهم بما فيه تحقيق وتفصيل اتّباعا لأصحاب الوحي والتّنزيل ، ولأهل العالم السّفلىّ كاهل العالم العلوىّ لتجرّدهم عن المادّة قدرة وتصرّف في أجزاء العناصر والعنصريّات اىّ تصرّف شاؤا ، وللعنصريّات بواسطة مادّتها جهة قبول عنهم من غير إباء وامتناع ، ومن هنا وهم الثّنويّة لمّا كاشف رؤساؤهم هذين العالمين وشاهدوا تصرّف أهلهما في عالم العناصر فقالوا : انّ للعالم مبدئين نورا وظلمة أو يزدان واهريمن ، ومن هنا وهم الزّنادقة من الهنود لمّا كاشف رؤساؤهم العالم السّفلى من الملكوت وشاهدوا تصرّف اهله في عالم العناصر ولم يفرّقوا بين الأرواح الخبيثة والطيّبة ، لانّ للأرواح الخبيثة كالارواح الطيّبة نورانيّة عرضيّة مانعة عن ظهور ظلمتها لمن لا يشاهد الأرواح الطيّبة ، فقالوا انّ طريق الاتّصال بعالم الأرواح متعدّد ، طريق الأنبياء والرّياضة بالأعمال الشّرعيّة وهذا ابعد الطّرق ، وطريق الرّياضة بالمخالفة للشّرائع الإلهيّة وهذا أقرب الطّرق ، فيرون انّ أعظم الأعمال في هذا الباب سفك الدّماء وشربها وخصوصا دم الإنسان والزّنا وخصوصا مع المحارم فيسفكون الدّماء ويجعلونها في الدّنان ويشربون منها ويشربون من يدخلونه في طريقهم منها ويزنون مع النّساء المحصنات في حضور الأزواج ، ويهتكون الكتب السّماويّة بتعليقها في المزابل وغير ذلك من الشنائع وهم صادقون في انّها أعظم الأعمال في الوصول الى الأرواح ، لكنّهم مغالطون بين الأرواح الخبيثة والأرواح الطيّبة ويقصرون الأرواح في الأرواح الخبيثة ولا يدرون انّ الاتّصال بها اصطلاء في النّار ودخول في الجحيم مع الأشرار. وأمثال هذه المغالطات لأصحاب الملل والأديان أيضا كثيرة فيرون أقبح ما يأتونه حسنا عصمنا الله من العمه والعمى وحفظنا من السّفه والرّدىّ. والحاكم في العالم العلوىّ هو العقل الّذى هو حقيقة متحقّقة حقيقته عين التعقّل والإدراك ، والحاكم في العالم السّفلىّ هو إبليس الّذى هو حقيقة متحقّقة حقيقته عين الجهل ، وحديث العقل وجنوده والجهل وجنوده المروىّ عن الصّادق (ع) في الكافي اشارة الى هاتين لا الجهل الّذى هو عدم ملكة لا حقيقة له ، واخبار خلقة الإنسان من امتزاج الطينتين اشارة الى أنموذج العالمين وحيثيّة قبوله لتصرّف الطّرفين فكلّ من عمل سوء فبجهته الظّلمانيّة وحكومة إبليس الّذى هو الجهل وتسخيره ، وكلّ من عمل خيرا فبجهته النّوريّة وحكومة العقل فلا شرّ الّا بالجهل ولا خير الّا بالعقل فقوله تعالى : بجهالة بيان لانّه لا يكون السّوء الّا بجهالة يعنى الّا بتسخّر عامله للجهل لا تقييد لفعل السّوء ، وعن مولينا ومقتدانا ومن هو كالرّوح في أبداننا وعن أنفاسه القدسيّة أوراق أرواحنا جعفر الصّادق (ع) كلّ ذنب عمله العبد وان كان عالما فهو جاهل حين خاطر بنفسه في معصية ربّه (الى آخر الحديث) وفي إيراد لفظ السّوء مفردا غير مبالغة والتّقييد بالجهالة إشارات لطيفة الى انّ من له استعداد التّوبة بعدم ابطال الفطرة ، مساويه وان كانت كثيرة فهي قليلة مفردة في جنب ما يمحوها من الفطرة ، وانّها وان كانت بالغة في القبح فهي ضعيفة غير بالغة ، لأنّ مصدرها الجهالة العرضيّة وانّ مصدرها وان كان نفس هذا الإنسان لكن سببها الجهل الّذى هو مغاير لها بخلاف ذلك كلّه من لم يكن له استعداد التّوبة كما يأتى في الآية الآتية (ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ) اى من غير بعد عن دار العلم ومقامه الاصلىّ بالتمكّن في دار الجهل والتّجوهر به بابطال الفطرة سواء كان مع القرب الزّمانىّ أو مع البعد الزّمانىّ حتّى لا ينافي الاخبار في سعة زمان التّوبة ولا يبقى بين من ذكر في الآيتين واسطة (فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ) في وضع المظهر موضع المضمر وادائه باسم الاشارة وتقديمه على المسند وتكرار لفظة الله من تفخيم شأنهم وتأكيد