للأنبياء (ع) والحكماء (ره) ورد في أخبارنا إنكارها وتعيير القائلين بها وتقريرها والتّصديق بها من هاتين الجهتين.
ثمّ اعلم ، انّه كلّ ما كان في العالم الكبير كان أنموذجه في العالم الصّغير بل التّحقيق انّه أنموذج لما في العالم الصّغير خصوصا ان كان من قبيل الأفعال الاختياريّة أو الحوادث اليوميّة ، وما ورد في الاخبار من بركة الأموال والأولاد والاعمار بصلة الأرحام وحسن الجوار ، وحبس الأمطار بمنع الزّكاة ، وانتشار الوباء بكثرة الزّنا يدلّ على ذلك ، وكما انّ آدم أبا البشر وحوّاء امّ البشر خلقا في العالم الكبير وهبطا الى الأرض ، آدم على الصّفا جبل قرب المسجد الحرام ويشاهد منه البيت من باب المسجد المحاذي للصّفا ، وحوّاء على المروة الّتى هي ابعد من المسجد الحرام والبيت ولا يشاهد البيت منها ، واوّل بطن من حوّاء كان قابيل مع توأمته وثانية كان هابيل مع توأمته ، وأشير في بعض الاخبار الى انّه لم يكن لآدم أولاد غير اثنين ونزلت لأحدهما حوريّة من الجنّة وأتى لآخر بجنّية وكثر نسل آدم منهما. كذلك كان هبوط آدم (ع) وحوّاء (ع) في العالم الصّغير هبط أحدهما على صفا النّفس وأعلاها وأصفى أطرافها وأقربها من بيت الله الحقيقىّ ، والاخرى على مروة النّفس وأدناها واكدر أطرافها وأبعدها من القلب ، ولذلك سمّى آدم (ع) بآدم (ع) لادمته باختلاط على النّفس وصافيها وحوّاء بحوّاء لحوّته باختلاط ادانى النّفس ، لانّ الحوّة خضرة الى السّواد أو حمرة الى السّواد. واوّل بطن من حوّاء بعد ازدواجهما كان قابيل النّوعىّ الّذى كان الغالب عليه صفات النّفس من الانانيّة والبخل والحسد والحقد والعداوة وحبّ الجاه والكبرياء بغلبة النّفس وقوّة صفاتها حينئذ ، وثانى بطن منها كان هابيل الّذى كان الغالب عليه صفات العقل لاستكمال النّفس بمجاورة آدم (ع) وحوّاء وضعف صفاتها وغلبة صفات العقل ، وكان كلّ منهما توأما لاخت له وأراد آدم النّوعىّ جذب قابيل وأخته الى قرب العقل وتبديل صفاتهما النّفسانيّة بالصّفات العقلانيّة ، فأراد تزويج أخته لهابيل وتزويج أخت هابيل له حتّى يتبدّل صفاتهما بذلك ، وابى قابيل عن التّبديل وعن الصّعود الى مقام العقل وحسد أخاه واستبدّ برأيه فقتله فأصبح من الخاسرين لابطاله وافنائه بضاعته الّتى هي استعداده للصّعود الى مقام العقل ، وبقتل هابيل ينقطع الانسانيّة من العالم الصّغير ويفنى النّاس في هذا العالم كلّهم لانّ النّاس كلّهم في هذا العالم كانوا من نسل هابيل وكان اناسىّ هذا العالم أبناء العقل الّذى هو إسرائيل النّوعىّ اى عبد الله وصفوة الله ، كما كان قابيل وذرّيّته هم الجنّة والشّياطين في هذا العالم ، وما لم يقتل هابيل العالم الصّغير كان الحكم جاريا عليهم والتّكليف باقيا لهم والخطاب من الله متوجّها إليهم ، وإذا قتل هابيل وانقطع الاناسىّ لم يكن من الله حكم وخطاب وتكليف وكان الزّنا والصّلوة متساويين لهم ؛ فمن قتل في ملكه قابيل وجوده هابيل وجوده قتل النّاس كلّهم في وجوده ولم يتوجّه إليهم بعد خطاب وتكليف. فقوله تعالى (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ) معناه من أجل قتل قابيل العالم الكبير هابيله الّذى هو دليل قتل قابيل العالم الصّغير هابيله (كَتَبْنا) اى اثبتنا والزمنا تكوينا (عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ) اى على من بقي في وجوده الانسانيّة وهم بنوا العقل الّذى هو إسرائيل ، ولمّا كان بنو إسرائيل الشّخصىّ في العالم الكبير كلّهم أو أكثرهم على طريق الحقّ وكان كثير منهم أنبياء (ع) وكان هذا الحكم أكثر ظهورا فيهم كان التّفسير ببني يعقوب صحيحا (أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ) في العالم الكبير (نَفْساً) بإزهاق روحه الحيوانىّ أو قطع روحه الانسانىّ بدعوته الى الضّلالة وصدّه عن طريق الهداية بمباشرته أو بتسبيبه (بِغَيْرِ) قصاص (نَفْسٍ أَوْ) بغير (فَسادٍ) من المقتول (فِي الْأَرْضِ) بقطع طريق ونهب مال واخافة للمسلمين بان يشهر السّيف أو يحمله باللّيل الّا ان لا يكون من أهل الرّيبة (فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً) لانّه ما لم يقتل قابيل وجوده هابيل وجوده