نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ) قابيل وهابيل (بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً) أظهر كلّ منهما وعرض قربانا على الله ، والقربان ما يتقرّب به من ذبيحة أو غيرها (فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما) لانّه خرج من نفسه وهواها وأتى بالقربان بأمر مولاه وعمد الى أحسن ما عنده (وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ) لسخطه حكم الله وكون قربانه من قبل النّفس وهواها وإتيانه بأخسّ ما عنده وهو قابيل (قالَ) قابيل لهابيل (لَأَقْتُلَنَّكَ) توعّده بالقتل لفرط حسده عليه لقبول قربانه (قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) لا من المعتدين المقدمين على قتل النّفس المحترمة يعنى قبول القربان انّما يحصل بالتّقوى عن النّفس وهواها لا بالحسد على الغير وقتله لتقواه (لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ) في الدّنيا والآخرة روى انّه لمّا أراد قتله لم يدر كيف يقتله فجاء إبليس فعلّمه ولم يدر بعد القتل ما يصنع به (فَبَعَثَ اللهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ) نقل انّه جاء غرابان فاقتتلا فقتل أحدهما الاخر فوارى جثّة المقتول في الأرض (لِيُرِيَهُ) اى الله أو الغراب (كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ) السّوأة الفرج وما يستقبح وانّما قال سوأة أخيه لانّ جثّة المقتول يستقبح ويستقذر (قالَ يا وَيْلَتى) الالف بدل من ياء التّكلّم والويل حلول الشّرّ أو نفس الشّرّ وبهاء الفضيحة وهو كلمة تفجّع وندبة (أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ) ندم النّفس الّذى هو عقوبة وحسرة لا ندم العقل الّذى هو منجاة وتوبة لقطعه مادّة التّوبة.
اعلم انّ أمثال حكاية خلق آدم (ع) وحوّاء (ع) وإسكانهما جنّة الدّنيا ونهيهما من شجرة الحنطة أو العنب أو العنّابه أو الحسد أو العلم أو غير ذلك ، ووسوسة الشّيطان لهما وأكلهما من الشّجرة المنهيّة ونزع لباسهما عنهما وظهور سوأتهما وهبوطهما الى الأرض ، وافتراقهما سنين وحزنهما وبكاءهما على الفراق ، ثمّ مواصلتهما وحمل حوّاء (ع) في كلّ بطن غلاما وجارية ، وتولّد قابيل وتوأمته إقليما في اوّل بطن ، وتولّد هابيل وتوأمته ليوذا في بطن آخر ، وامر الله لآدم (ع) ان ينكح من قابيل أخت هابيل ومن هابيل أخت قابيل ، وحسد قابيل على هابيل لكون أخته أجمل من أخت هابيل ، وعدم رضاه وامر آدم (ع) لهما ان يقرّبا قربانا وقبول قربان هابيل وعدم قبول قربان قابيل ، واشتداد حسده على هابيل وقتله ايّاه ؛ من مرموزات السّابقين كما مرّ. وهكذا الحال في حكاية سليمان (ع) وخاتمه وجلوس شيطان على كرسيّه بعد سرقة خاتمة ، وحكاية داود (ع) وتصوّر الشّيطان له بصورة طير أحسن ما يكون من الطيّور ، وكون داود (ع) في الصّلوة وقطعه الصّلوة في طلب الطّير وصعود السّطح واشرافه على دار أوريا وتعشّقه بزوجته وكتابته لأمير الجندان يقدّمه امام التّابوت حتّى يقتل ، وحكاية هاروت وماروت ونزولهما الى الأرض وتعشّقهما بامرأة وابتلائهما بشرب الخمر وسجدة الوثن وقتل النّفس ، وغير ذلك ممّا فيها ما لا يوافق شأن الأنبياء والملئكة فانّهم أرادوا بها التّنبيه على المعاني الغيبيّة المشهودة لهم الغائبة عن الانظار ، وكانت العوامّ تداولوها بنحو الأسمار ولم يدركوا منها سوى معانيها الظّاهرة المدركة بالمدارك الحيوانيّة ونسبوا بذلك الى الأنبياء والملائكة ما يقتضي عصمتهم تطهير ساحتهم عن أمثالها ؛ ولبطلانها بظواهرها وصحّتها بمعانيها المقصودة