وعن حكم الله الّذى فيه (وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ) بكتابهم وبك ، وفيه تعريض بالمنحرفين عن حكمه (ص) في علىّ (ع) (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً) يهدى به للحقّ (وَنُورٌ) يكشف به المبهمات ، تعليل لعدم ايمانهم وتعريض بمن يعرض عن القرآن الّذى فيه بيان الحقّ وكشفه من ولاية علىّ (ع) (يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا) صفة لبيان حالهم وتعريض بانّ من لم يرض بحكم القرآن لم يكن مسلما منقادا لله (لِلَّذِينَ هادُوا وَ) يحكم بها (الرَّبَّانِيُّونَ) الّذين طلبوا الحقّ بالرّياضات والمجاهدات (وَالْأَحْبارُ) الّذين طلبوه بالعلم وطريق البحث (بِمَا اسْتُحْفِظُوا) استحفظه طلب منه حفظ شيء أو جعله حافظا لشيء ، ولفظة ما موصولة أو مصدريّة وفيه اشارة الى انّهم كانوا حافظين لكتاب الله من التّغيير أو حافظين له في صدورهم (مِنْ كِتابِ اللهِ) التّدوينىّ أو احكام النّبوّة (وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ) يشهدون له على من يغيّره ، وعنهم (ع) في بيان التّعريض : هذه الآية فينا نزلت ، والرّبانيّون الائمّة دون الأنبياء الّذين يربّون النّاس بعلمهم ، والأحبار هم العلماء يعنى انّ المقصود التّعريض بامّة محمّد (ص) وإنزال القرآن وانّ الحاكم به هم الائمّة (ع) ومشايخهم الّذين أجازوا لهم الحكم به (فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ) في حكوماتكم ولا تعرضوا عمّا قرّرناه من الأحكام ، والخطاب لمحمّد (ص) ولمّا كان التّعريض بأمّته جمع أمّته معه في الخطاب (وَاخْشَوْنِ) فانّى احقّ بالخشية (وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي) التّدوينيّة بان تغيّروها وتبدّلوها ، ولا بآياتي التّكوينيّة من النّبىّ (ص) وقوله (ص) ومن الائمّة الهداة (ثَمَناً قَلِيلاً) من الاعراض الدّنيويّة وأغراضها ، وقد مضى في اوّل البقرة في نظير الآية تفصيل تامّ لاشتراء الثّمن القليل بالآيات (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) اعلم ، انّ الآيات الثّلاثة مذكورة هاهنا بهذه الصّورة من ترتّب الكفر والظّلم والفسق على عدم الحكم بما انزل الله ، ويلزم منه ان يكون كلّ فرد من افراد الإنسان حاكما بما انزل الله تعالى حتّى لا يكون داخلا تحت الآيات ، والحال انّ أكثرهم لا يعلمون حكم الله وليس كلّ من يعلم حكم الله يؤذن له في الحكم بين النّاس ، ولذلك فسّروه بمن يحكم بغير ما انزل الله وهو اخصّ من الاوّل ، لانّ عدم الحكم بما انزل الله امّا بان لا يحكم أصلا أو بان يحكم بغير ما انزل الله والتّحقيق في هذا المقام ان يقال : انّ ما انزل الله غير مختصّ بالتّدوينىّ بل هو اعمّ من التّدوينىّ الّذى أتى به الأنبياء (ع) مسطورا في الصّحائف والألواح ومن التّكوينىّ في العالم الكبير من النّبوّات وأحكامها الّتى نزلت من مقام الرّوح الى قلوب الأنبياء (ع) ومنها الى صدورهم ، ومنها الى الخلق من السّياسات والعبادات القالبيّة ، ومن التّكوينىّ في العالم الصّغير من الأحكام العقليّة النّازلة من مقام العقل أو انّ البلوغ الى صدور الخلق فكلّ إنسان له زاجر الهىّ وشيطان يغويه وكلّ إنسان له الحكومة لا محالة ، امّا في وجوده وعالمه الصّغير لانّه لا محالة لا يخلو عن حركة وسكون ولو في الاكل والشّرب وسائر الضّروريّات ، وان كان له عيال ودار ففي أهل داره أيضا وان كان له خدم وحشم واموال ففيها أيضا ، ولا بدّ لحركته وسكونه الاختياريّين من محرّك وباعث فالباعث ان كان الهيّا فهو حاكم في حركته وسكونه بما انزل الله من حكم العقل على صدره ، وان كان شيطانيّا فهو حاكم بغير ما انزل الله وهذا الحاكم بين الخلق ان كان الباعث له على الحكومة الهيّا كان حاكما بما انزل الله ، وان كان شيطانيّا كان حاكما بغير ما انزل الله ولم يحكم بما انزل الله ، وان كان صورة الحكم صورة ما انزل الله فانّه إذا حكم من لم يكن مأذونا من الله بلا واسطة كالأنبياء (ع) أو بالواسطة كأوصيائهم (ع) وكان حكمه بصورة