ما انزل الله في التّدوين أو في النّبوّات كان حكمه بغير ما انزل الله وكان طاغوتا ، وما ورد في الاخبار من انّ هذا مجلس لا يجلس فيه الّا نبىّ أو وصىّ أو شقىّ ؛ يدلّ على هذا ، لانّ من جلس بغير الوصاية لم يكن جلوسه وحكمه بما أنزل الله بل بغير ما أنزل الله وبحكم الشّيطان ولذلك علّق الشّفاعة الّتى هي والحكومة توأمان على الاذن في عدّة من الآيات. وممّا ذكرنا ظهر انّ عدم الحكم بما أنزل الله لازم مساو للحكم بغير ما أنزل الله لا انّه أعمّ منه لانّ الإنسان لا يخلو من حكومة ما ، ومن لم يكن خاليا من الحكومة فكلّما لم يحكم بما أنزل الله كان حاكما بغير ما أنزل الله لما عرفت من التّلازم فصحّ ما ورد من تفسيره في الاخبار بالحكم بغير ما أنزل الله ؛ روى عن أمير المؤمنين (ع) انّ الحكم حكمان ؛ حكم الله وحكم الجاهليّة فمن أخطأ حكم الله حكم بحكم الجاهليّة وهو دليل على ما قلنا (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها) اى في التّوراة وهو تقرير لعدم رضاهم بحكم الله وانّهم رضوا بمحمّد (ص) ليفرّوا من حكم التّوراة (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) مجمل محتاج الى البيان يعنى نفس المرء بالمرء والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى أو كان حكم التّوراة عامّا (وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ) ذات قصاص والفقرات محتاجة الى تقدير آخر أيضا وهو انّ النّفس تقتل بالنّفس والعين تفقأ بالعين وهكذا (فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ) اى بالقصاص اى عفا عنه (فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ) من ذنوبه (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) كرّره ثلاث مرّات لكمال الاهتمام به ، لانّه كما علمت معيار تمام الحركات والسّكنات ومصحّح العبادات والسّياسات وبه قوام المعاش والمعاد ، ولانّ الاوّل ناظر الى أمّة محمّد (ص) لانّ الخطاب في قوله (فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ) (الى آخره) كان لهم والثّانى ناظر الى احكام التّوراة وأهلها ، والثّالث ناظر الى احكام الإنجيل وأهلها (وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ) اى آثار النبيّين والرّبانيّين والأحبار الّذين كانوا يحكمون بالتّوراة (بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً) عطف على جملة فيه هدى ونور لانّها حال ومنصوب محلّا وكرّره لانّ الاوّل حال من عيسى (ع) والثّانى من الإنجيل (لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَهُدىً) كرّره لانّ الاوّل باعتبار اجزائه وهذا باعتبار المجموع ، وأيضا الاوّل وصف باعتبار معانيه والثّانى للفظه وان كان باعتبار المعاني والتّأكيد مطلوب أيضا (وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) لانّ الوعظ اضافة بين الواعظ والمتّعظ ومن لم يتّعظ لم يكن الوعظ وعظا له ، والمتّقون هم الّذين يكون الوعظ وعظا لهم (وَلْيَحْكُمْ) قرئ بالأمر وبكسر اللّام وفتح الميم (أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) وصفهم بالكفر تارة وهو عدم الإقرار بالله أو بدينه ، وبالظّلم اخرى وهو إعطاء الحقّ لغير المستحقّ ومنع الحقّ عن المستحقّ ، وبالفسق اخرى وهو الخروج عن طريق الشّرع والعقل لاتّصافهم بالأوصاف الثّلاثة ولتفضيحهم غاية التّفضيح ولانّ الاوّل بالنّسبة الى أمّة محمّد (ص) ولمّا كان رسالته وكتابه واحكامه أشرف سمّى المنحرف عن احكامه ، والحاكم بغيرها كافرا اشعارا بانّ المنحرف عن احكامه لشرافتها أسوء حالا من الكلّ والثّانى بالنّسبة الى اليهود ، ولمّا كان الكثرة فيهم غالبة كان الظّلم وهو الاضافة الى الغير فيهم أظهر والثّالث بالنّسبة الى النّصارى ولمّا كان الوحدة فيهم أظهر كان الخروج عن طريق الوحدة وهو الفسق انسب بحالهم