واعلم ، انّه ليس المراد بالحكم بالتّوراة والحكم بالإنجيل الحكم في مطلق السّياسات والعبادات فانّهما منسوختان بمحمّد (ص) وكتابه ، بل المقصود الحكم بهما باعتبار ما ثبت فيهما من بعثة النّبىّ (ص) وآثاره وعلاماته ، والمقصود الاهمّ التّعريض بالامّة في الحكم بالقرآن في خلافة علىّ (ع) فلا تغفل (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِ) بسبب الحقّ أو متلبّسا بالحقّ أو مع الحقّ ، وقد سبق انّ الحقّ في أمثال المقام هو الولاية الكبرى (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ) من جنس الكتب المنزلة والنّبوّات الماضية (وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) رقيبا على ذلك الكتاب بحفظه عن التّغيير وإظهار ما كتموه منه وتصديقه وتصديق النّبوّات الماضية ، والمهيمن من أسمائه تعالى بمعنى الرّقيب والحافظ والمؤتمن والأمين والشّاهد (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ) بين أمّتك أو بين أهل الكتاب ان اخترت الحكم بينهم والمقصود التّعريض بالامّة وحكمهم (بِما أَنْزَلَ اللهُ) في علىّ (ع) (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِ) وهو الكتاب والنّبوّة فانّهما صورتا الحقّ الّذى هو الولاية (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً) اى لكلّ فرقة وأمّة منكم جعلنا شريعة بحسب القالب وتأخير منكم للاشارة الى انّ الشّرعة الخاصّة بكلّ أمّة انّما نشأت من اختلاف استعدادهم (وَمِنْهاجاً) طريقا واضحا بحسب القلب ، والشّرعة الطّريقة الى الماء الّتى يرد عليها جميع الخلق بالسّويّة والأحكام القالبيّة في كلّ أمّة وشريعة طريقة الى ماء الحيوة ويستوي فيها جميع الامّة ، والمنهاج من نهج الأمر إذا وضح والمراد الطّريق الواضح من القلب الى الحقّ وهو بمنزلة التّعليل لسابقه يعنى لا تتجاوز عن شرعتك الخاصّة بواسطة شرائعهم ، فانّ شرائعهم كانت خاصّة بهم ولك شرعة خاصّة بك (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) متّفقة على طريقة واحدة من غير نسخ شريعة وتجديد اخرى (وَلكِنْ) جعلكم امما مختلفة (لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ) من الشّرائع الجديدة لانّ قبول المألوف المعتاد أسهل على النّفس ولا يظهر صدق الايمان به بخلاف غير المألوف ، فانّ قبوله لا يكون الّا عن صدق الايمان بمن أتى به (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) يعنى إذا علمتم انّ الاختلاف امتحان لكم فاستبقوا الخيرات الّتى هي ما أمر الله به على لسان نبيّه (ص) لا العادات الّتى اخذتموها من اسلافكم ، يعنى خذوا الخيرات سابقين على نفوسكم فانّها تأمركم بالعادات أو سابقين على اقرانكم حيازة لقصب السّبق (إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) السّابق واللّاحق والأخذ بالأمر والأخذ بالعادة وهو تعليل لقوله فاستبقوا ووعد ووعيد للفريقين (فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) من الحقّ والباطل والأمر والعادة وهذا أيضا تعريض بالولاية واختلافهم فيها بعد الرّسول (ص) (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) قيل عطف على الكتاب أو على الحقّ بجعل ان مصدريّة ودخول ان المصدريّة على الأمر نادر وغير فصيح ، بل هي في الأغلب تكون مفسّرة إذا وقع بعد ما فيه معنى القول والعطف على المعنى كثير شائع في كلام الفصحاء ، فهو امّا عطف على مصدّقا باعتبار المعنى اى أنزلنا عليك الكتاب ان صدّق لما بين يديك وان احكم فيكون تفسيرا للانزال الّذى فيه معنى القول فانّ الانزال إذا نسب الى اللّفظ كان في معنى القول ، ويحتمل ان يكون بتقدير أمرنا عطفا على أنزلنا ويكون ان تفسيريّة أيضا وتكرار الأمر بالحكم بما انزل الله للتّأكيد ، أو لكون أحدهما في زنا المحصنين والآخر في قتل وقع بينهم ، كما روى عن الباقر (ع) انّما كرّر الأمر بالحكم بينهم لانّهما حكمان امر بهما جميعا لانّهم احتكموا اليه في زنا المحصنين