بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) من ربّك في علىّ (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) ، وكان اوائلهم قربت من الجحفة فأمره بان يردّ من تقدّم منهم ويحبس من تأخّر عنهم في ذلك المكان ليقيم عليّا للنّاس ويبلّغهم ما انزل الله تعالى في علىّ وأخبره بانّ الله عزوجل قد عصمه من النّاس ، فأمر رسول الله عند ما جاءته العصمة مناديا ينادى في النّاس بالصّلوة جامعة ، ويردّ من تقدّم منهم ويحبس من تأخّر فتنحّى عن يمين الطّريق الى جنب مسجد الغدير امره بذلك جبرئيل عن الله عزوجل ، وفي الموضع سلمان فأمر رسول الله (ص) ان يقمّ ما تحتهنّ وينصب له أحجار كهيئة المنبر ليشرف على النّاس ، فتراجع النّاس واحتبس أواخرهم في ذلك المكان لا يزالون فقام رسول الله (ص) فوق تلك الأحجار ، ثمّ حمد الله تعالى وأثنى عليه بما أثنى (الى ان قال) وأو من به وبملائكته وكتبه ورسله ، اسمع أمره وأطيع وأبادر الى كلّ ما يرضاه واستسلم لقضائه رغبة في طاعته وخوفا من عقوبته ، اقرّ له على نفسي بالعبوديّة واشهد له بالرّبوبيّة وأودّى ما أوحى الىّ حذرا من ان لا افعل فتحلّ بى منه قارعة لا يدفعها عنّى أحد وان عظمت حيلته ، لا اله الّا هو لانّه قد أعلمنى انّى ان لم ابلّغ ما أنزل الىّ فما بلّغت رسالته ، فقد ضمن لي تبارك وتعالى العصمة وهو الله الكافي الكريم ، فأوحى الىّ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)(يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) في علىّ (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) ؛ معاشر النّاس ، ما قصّرت في تبليغ ما أنزله وانا مبيّن لكم سبب هذه الآية انّ جبرئيل هبط الىّ مرارا ثلاثا يأمرني عن السّلام ربّى وهو السّلام ان أقوم في هذا المشهد ، فأعلم كلّ أبيض وأسود انّ علىّ بن أبى طالب أخى ووصيّي وخليفتي والامام من بعدي الّذى محلّه منّى محلّ هارون من موسى الّا انّه لا نبىّ بعدي وهو وليّكم بعد الله ورسوله وقد أنزل الله تعالى علىّ بذلك آية من كتابه (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ،) وعلىّ بن أبى طالب أقام الصّلوة وآتى الزّكاة وهو راكع يريد الله عزوجل في كلّ حال وسألت جبرئيل ان يستعفينى عن تبليغ ذلك إليكم ايّها النّاس ، لعلمي بقلّة المتّقين وكثرة المنافقين وإدغال الآثمين وحيل المستهزئين بالإسلام ، الّذين وصفهم الله في كتابه ، بأنّهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ويحسبونه هيّنا هو عند الله عظيم ، وكثرة أذاهم لي غير مرّة حتّى سمّونى إذنا وزعموا انّى كذلك لكثرة ملازمته ايّاى وإقبالي عليه ، حتّى انزل الله عزوجل في ذلك : (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ) على الّذين يزعمون انّه اذن (خَيْرٍ لَكُمْ) (الآية) ولو شئت ان اسمىّ بأسمائهم لسميّت وان أومي إليهم بأعيانهم لاومأت وان ادلّ عليهم لدللّت ، ولكنّى والله في أمورهم قد تكرّمت وكلّ ذلك لا يرضى الله منّى الّا ان ابلّغ ما انزل الىّ ثمّ تلا : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) في علىّ (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)، فاعلموا ، معاشر النّاس ، انّ الله قد نصبه لكم وليّا وإماما مفترضا طاعته على المهاجرين والأنصار وعلى التّابعين لهم بإحسان وعلى البادي والحاضر وعلى الاعجمىّ والعربىّ والحرّ والمملوك والصّغير والكبير وعلى الأبيض والأسود وعلى كلّ موجود ماض حكمه جائز قوله نافذ امره ، ملعون من خالفه مرحوم من تبعه ، ومن صدّقه فقد غفر الله له ولمن سمع منه وأطاع له ، معاشر النّاس انّه آخر مقام أقومه في هذا المشهد ، فاسمعوا وأطيعوا وانقادوا لأمر ربّكم ، فانّ الله عزوجل هو ربّكم ووليّكم وإلهكم ، ثمّ من دونه رسوله محمّد وليّكم القائم المخاطب لكم ، ثمّ من بعدي علىّ وليّكم وإمامكم بأمر الله ربّكم ، ثمّ الامامة في ذرّيّتى من ولده الى يوم القيامة يوم يلقون الله ورسوله ، لا حلال الّا ما أحلّه الله ولا حرام الّا ما حرّمه الله ، عرّفنى الحلال والحرام وانا أفضيت بما علّمنى ربّى من كتابه وحلاله وحرامه اليه.