__________________
لا تهين الكريم علّك أن |
|
تركع يوما والدهر قد رفعه |
وإنّما أراد به علّك أن تخضع يوما.
قيل له : الرّكوع هو التّواطؤ المخصوص ، وإنّما يقال للخضوع ركوع تشبيها ومجازا ، لأنّ فيه ضربا من الانخفاض ، والّذي يدلّ على ما قلناه : ما نصّ عليه أهل اللّغة ، ذكر صاحب كتاب العين فقال : كلّ شيء ينكبّ لوجهه فيمسّ ركبته الأرض أو لا يمسّ بعد أن يطأطئ رأسه ، فهو راكع. وقال ابن دريد : الرّاكع : الّذي يكبو على وجهه ، ومنه الرّكوع في الصّلاة ، قال الشّاعر :
وافلت حاجب فوق العوالي |
|
على شقّاء تركع في الظّراب |
أي : تكبو على وجهها. وإذا ثبت أنّ الحقيقة في الرّكوع ، ما ذكرناه لم يسع حمله على المجاز من غير ضرورة.
فإن قيل : قوله : (الَّذِينَ آمَنُوا) لفظه عامّ ، كيف يجوز لكم حمله على الواحد ، وهل ذلك إلّا ترك للظّاهر؟! قيل له : قد يعبّر عن الواحد بلفظ الجمع إذا كان عظيم الشّأن عالي الذّكر ، قال الله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ) وهو واحد ، وقال : (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها) وقال : (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ) وقال : (ربّ ارجعون) ونظائر ذلك كثيرة. وأجمع المفسّرون على أنّ قوله : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) أنّ المراد بقوله : (النّاس) الأوّل : نعيم بن مسعود الأشجعيّ ، وقال تعالى : (أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ) يعني : رسول الله (ص) وقوله تعالى : (الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا) نزلت في عبد الله بن أبي سلول ، وإذا كان ذلك مستعملا على ما قلناه ، فكذلك قوله تعالى : (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ) نحمله على الواحد الّذي بيّنّاه.
فإن قيل : أليس قد روي أنّ هذه الآية نزلت في عبد الله بن سلام وأصحابه فما أنكرتم أن يكون المعنيّ ب : (الّذين آمنوا) هم دون من ذهبتم إليه.
قلنا : أوّلا ما نقول إنّا إذا دللنا على أنّ هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين (ع) بنقل الطّائفتين المختلفتين ، وإنّما ذكرناه من اعتبار الصّفة المذكورة في الآية وأنّها ليست حاصلة في غيره فقد بطل ما روى من هذه الرّواية.
على أنّ الّذي روي من خبر عبد الله بن سلام خلاف ما ذهب إليه السّائل ، وذلك أنّه روي أنّ عبد الله بن سلام كان بينه وبين اليهود محالفة فلمّا أسلموا قطعت اليهود محالفته وتبرّءوا منهم فاغتمّ بذلك هو وأصحابه ، فأنزل الله هذه الآية تسلية لعبد الله بن سلام وأنّه قد عوّضهم من محالفة اليهود ولاية الله وولاية