فأما من لا عقل له فلا تكليف عليه.
والذي يجب على المكلف : أن يعلمه جل وعلا ربّا مالكا للسماوات والأرض ومن فيهما أوّلا آخرا قادرا عليما سميعا بصيرا أوجد العالم من العدم المحض ، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير لا إله إلّا هو (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ...) الآية (١).
وذلك «لتعذر تصوره تعالى» أي لاستحالة تصوره «لما ثبت من أنه تعالى ليس بجسم ولا عرض والتصور إنّما يكون لهما» أي للجسم والعرض ضرورة أي يعلم بضرورة العقل لأنه لا يصح التصور إلّا فيما كان كذلك ، فثبت أنه لا طريق للمخلوق إلى معرفة كنه ذاته تعالى ، ولهذا قال الوصي عليهالسلام : (ما وحّده من كيّفه ، ولا حقيقته أصاب من مثّله ، ولا إيّاه عنى من شبّهه ، ولا صمده من أشار إليه وتوهّمه).
وقال عليهالسلام : (العقل آلة أعطيناها لاستعمال العبودية لا لإدراك الربوبية ، فمن استعملها في إدراك الربوبية فاتته العبودية ولم ينل الربوبية).
وقال القاسم بن إبراهيم عليهالسلام : (جعل الله في جميع عباده فنّين (٢) الروح والعقل وهما قوام الإنسان لدينه ودنياه وقد حواهما جسمه وهو يعجز عن صفتهما فكيف يتعدّى هذا الجاهل إلى وصف الخالق ولا (٣) يقدر على وصف المخلوق).
وإلى مثل هذا أشار الإمام عليهالسلام بقوله : «وتعذر فهم التعبير عن كنهها» أي لتعذر تصوره تعالى وتعذر فهم التعبير إلى آخره وكنهها أي حقيقتها «لأنّ التعبير إنما يفهم ضرورة عمّا يصح أن يدرك بالمشاعر» أي يعلم استحالة فهم التعبير بضرورة العقل عمّا لا يصح أن يدرك بالمشاعر وما يلحق بها.
«وهي» أي المشاعر «الحواس الخمس» السمع والبصر والطعم والشم واللمس «وما يلحق بها» أي بالحواس الخمس في الإدراك «وهو الوجدان» وهو
__________________
(١) الشورى (١١).
(٢) في نسخة شيئين.
(٣) (ب) وليس يقدر.