قال في الكشاف : وليس قصدهم الجارحة وإنما قصدوا الكناية عن البخل «ونظيره : قلت اطبخوا لي جبّة وقميصا في البيت» السابق ، «وقوله تعالى (تَجْرِي بِأَعْيُنِنا) كالأول» أي المشاكلة في القول تقديرا لأنه تعالى عبّر عن حفظه للسفينة أي سفينة نوح «بقوله» (تَجْرِي) «بأعيننا مشاكلة لكلمة العين المقدرة وهي الجارحة الخاطرة بذهن السامع لمّا كان لا يتم حفظ مثلها» وهو كل محفوظ «لأحد في الشاهد إلّا بمتابعة(١) إبصارها بالعين» الجارحة.
«وقوله تعالى : (تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ) كالثاني» أي المشاكلة في القول تحقيقا.
وقال محمد بن القاسم بن إبراهيم عليهمالسلام : يعني : أنت تعلم ما أعلم ولا أعلم أنا ما تعلم ، كما يقول القائل : هذا نفس الحق وهذا نفس الصواب وهذا وجه الرأي وهذا وجه الكلام ووجه الحق.
قلت : فعلى هذا يكون من مجاز الزيادة في القول والله أعلم.
وقال الناصر عليهالسلام : اليد في كلام العرب تقال على ستة أوجه :
أحدها : بمعنى الجارحة وجمعها أيد ، وبمعنى النعمة وتجمع على أياد ، وبمعنى القدرة ، وبمعنى الملك يقال : هذه الدار في يد فلان أي في ملكه وتصرفه ، وبمعنى الأمر والسلطان يقال : يد الأمير أعلى من يد الوزير ، وله على الرعيّة يد أي طاعة وبمعنى الصلة في الكلام والزيادة كقولك : هذا ما جنت يداك أي جنيته أنت ، وليست حقيقة إلّا في الجارحة.
«وقوله تعالى حاكيا» عن الكفار والفساق (يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) (٢) من المجاز أيضا» لتعذر حمله على الحقيقة لأن الجنب حقيقة شق الحيوان والناحية وكلاهما لا يجوزان على الله تعالى فكان مجازا «لأن الجنب هنا» أي في هذه الآية «عبارة عن الطاعة» التي أمر الله بها «والعلاقة» هنا بين الطاعة وبين الجنب «تسمية الحال» وهو الطاعة «باسم محله» وهو الجنب
__________________
(١) (ض) بمتابعته.
(٢) الزمر (٥٦).