العباد والممهل العصاة والقابل التوبة ونحو ذلك «لافتقرا إلى القرينة» إذ لا بد لكل مجاز من القرينة كما سبق ذكره «وهما لا يفتقران» إليها «بل لا يجري لفظ رحمن مطلقا» أي مضافا وغير مضاف «و» لا يجري لفظ «رحيم» حال كونه «غير مضاف إلّا له تعالى» دون غيره وأما إذا أضيف رحيم فإنه يقال فلان رحيم بعشيرته «ولو كانا» أي رحمن ورحيم «لغويتين» أي حقيقتين لغويتين «لاستلزما التشبيه» له جل وعلا عن ذلك بذي الحنو والشفقة والرقة من خلقه «وقد مر إبطاله» أي إبطال التشبيه.
قلت : ولا بد في كونهما مجازين في حقه تعالى وقرينتهما العقل والسمع وذلك أنه شبه فعله تعالى بالمخلوقين من إسبال النعم عليهم في الدنيا والآخرة وإمهالهم والستر عليهم في دار الدنيا وقبول التوبة ونحو ذلك بفعل ذي الحنوّ والشفقة والرقة ، ولا يلزم من تشبيه فعله سبحانه بفعل المخلوق تشبيهه جل وعلا بشيء من خلقه كما سنذكره من بعد في رحمة الله تعالى.
ومن ذلك قوله تعالى : (وَهُوَ خادِعُهُمْ) (١) (وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) (٢) ونحو ذلك وأيضا : قد ثبت أن رحمة في حقه تعالى مجاز فكذلك ما اشتق منها وهو رحيم ورحمن والله أعلم.
ورحيم» ورحمن مع كونهما حقيقتين دينيتين مختلفان فرحيم «منقول» من معناه اللغوي إلى المعنى الشرعي «ورحمن غير منقول» من معنى لغوي إلى غيره «إذ لم يطلق» أي رحمن «على غيره» جل وعلا «لغة» أي في لغة العرب «البتة» أي في كل حال لا مقيّدا ولا غير مقيّد يقال : لا أفعله بتّة ولا أفعله البتة لكل أمر لا رجعة فيه ونصبه على المصدر «وقولهم» أي قول بعض بني تميم المغترين بمسيلمة الكذاب «رحمن اليمامة» يريدون مسيلمة لعنه الله قال قائلهم فيه :
وأنت غوث الورى |
|
لا زلت رحمانا |
لا ينقض ما ذكرناه لأنه «كقول الصوفية : الله للمرأة الحسناء» اعتقادا
__________________
(١) النساء (١٤٢).
(٢) آل عمران (٥٤).