ومثله ذكره الإمام يحيى عليهالسلام حيث قال : لا يخلو قولهم من أوجه ثلاثة : إمّا أن يريدوا بذلك أنه لا يتغيّر قبحه بحسب حال فاعله خلافا لما يقوله هؤلاء الأشعرية فهذا لا ننكره وهو خلاف في عبارة.
وإما أن يكون مرادهم أن قبح القبيح إنما هو لأمر يخصّه ووجه يقع عليه من غير أن يكون المؤثر أمرا خارجا عن ذاته من فاعل أو علّة فهذا جيّد لا ننكره ، وغالب ظني أن مراد أبي القاسم هو هذا الوجه فإنّ وجوه القبح والحسن ظاهرة جلية لا تغيب على مثله لتقدّمه في الفضل.
وإما أن يكون مرادهم هو أن القبح مضاف إلى ذات القبيح وعينه فهذا فاسد لأن المثلين قد يكون أحدهما قبيحا والآخر حسنا.
ومن حق ما كان ثابتا للذّات لا يختلف فيه الأمثال ، وقد يكون المختلفان مشتركين في حكم هذه الأحكام (١) فكان يلزم أن تكون متماثلة فبطل إسناد هذه الأحكام إلى الذّات انتهى.
«قلنا» في الرّد على المخالف : «لا تذم العقلاء من تناول شربة» من ماءغير محاز أو تمشى في الأرض «ولا تصوّب من عاقبه قبل معرفة إباحة الشرع» له ذلك فلو كان الأصل في مطلق الأفعال الحظر لذمّت العقلاء من تناول الشربة أو تمشّى في الأرض أو تناول الأحجار التي لا ملك لأحد فيها ، ولصوّبت من عاقبه لتعدّيه في الفعل قبل معرفة أذن الشرع وقالت «الأشعرية وبعض الشافعية» والكراميّة والكلابيّة من المجبرة : «بل» إنما يقبح الفعل «للنّهي» أي لنهي الشارع (٢) فالقبائح كلها عندهم شرعيّة قالوا : «إذ لا يعلم حسن الفعل ولا قبحه» من العقل بل من الشرع تقريرا لمذهبهم في الجبر وأن العبد عندهم غير مختار في فعله.
«لنا» عليهم «ذم العقلاء الظالم والكذّاب وتصويبهم من عاقبهما» وقد تقدّم بسط الكلام في ذلك في فصل التحسين والتقبيح «و» لنا في الاستدلال على أن الفعل لا يقبح إلّا لوقوعه على وجه وأن الأصل في مطلق الأفعال
__________________
(١) (ض) في حكم من هذه الأحكام.
(٢) (ض) لنهي الشارع عنه.