«وقال تعالى : (وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً) (١) فنسب الإرادة إلى الشيطان.
«وهي» أي الإرادة من العباد «توطين النفس على الفعل» أي تشوّق النفس وميلها إليه والعزم على فعله ولأفعال غيرهم تشوّق النفس وميلها إليه ، وأما في المكره فهي العزم على الفعل فقط.
«أو» توطين النفس «على الترك» وهذا حيث تعلقت الإرادة بالنفي ، وأما إن جعلنا الترك (٢) فعلا فلا يحتاج إلى قوله : أو الترك والله أعلم.
واعلم : أن العزم على الفعل تقع المؤاخذة عليه.
واختلف العلماء هل يكون هذا العزم مشاركا لمعزومه أو لا :
فقال بعضهم : يكون مشاركا للفعل على الإطلاق في كونه كفرا أو فسقا لقوله تعالى: (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) (٣) وذهب بعضهم : إلى أنه غير مشارك بكل حال.
وقال بعضهم : إن الله سبحانه وتعالى يتجاوز عن هذه العزومات والإرادات لما روي عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال : «تجاوز الله عن أمّتي ما حدّثت به أنفسها ما لم تقل أو تفعل» ونحوه.
وقال بعضهم : إن كان العزم مشاركا للفعل المعزوم عليه فحكمه حكمه في الكفر والفسق ، وإن كان غير مشارك للمعزوم عليه لم يكن لاحقا به فإن العزم على شرب المسكر ليس فسقا لمّا لم يكن مشاركا له.
والعزم على الاستخفاف بالله تعالى أو بأنبيائه يكون كفرا لمّا كان مشاركا له في الوجه الذي صار به كفرا.
وهذا هو الحق ويدل على ذلك ما روي عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال : «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار قيل يا
__________________
(١) النساء (٦٠).
(٢) (ض) النفي.
(٣) البقرة (٢٨٤).