لأجلهما العوض فيها «لا دار جزاء فقط» أي يلزم أن لا تكون دار جزاء فقط «والإجماع» منعقد «على خلاف ذلك» وهو أنّها دار جزاء فقط ثواب ونعيم أو عقاب وجحيم.
«فإن قيل» وما المانع من انقطاع العوض عن المعوّض ثم «يتفضل الله عليه بعد انقطاعه؟» بمنافع أخرى تفضّلا منه جل وعلا لا تنقطع؟
«قلنا : قد استحق» المؤلم «بوعد الله الذي لا يبدل القول لديه أن يبعث للتنعّم» وللانتصاف له لما مرّ ولقوله تعالى (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) (١) فالمكلفون يحشرون لمجازاتهم بالثواب والعقاب وللانتصاف والتفضّل عليهم وسائر غير المكلفين لتوفية أعواضهم والتفضل عليهم.
وقال أبو هاشم : يجوز أن تعوض البهائم في الدنيا فلا تعاد.
وقال الأكثر : بل لا بد من إعادة ما كان له عوض منها ، ولكن اختلفوا في حكمها بعد الإعادة :
فقال عباد : يبطل إما بمصيرها ترابا أو غير ذلك.
وقال بعضهم : يجوز أن الله يدخل النّار ما كان مبغضا منفورا عنه كالحيّات والسّباع مع كونها متلذذة بذلك ، ويدخل الجنة ما كان حسن الصورة محبوب المنظر وأمّا ما (٢) لا عوض له كمن يموت مغافصة من دون ألم فقالوا : لا يقطع بوجوب إعادته.
قلنا : قد دل الدليل القاطع على إعادة جميع الدواب وهو حكمه العدل والآية المتقدمة.
«فلا وجه لتخصيص العوض بجعل بعضه مستحقّا» وهو الذي في مقابلة الألم «وبعضه غير مستحقّ» وهو الذي يتفضل الله به على المؤلم بعد انقطاع عوضه.
__________________
(١) الأنعام (٣٨).
(٢) (ض) وأمّا من لا عوض له.