ولا شك أن لفظ الوجوب على الله سبحانه مبتدع حادث لم يطلقه على الله سبحانه الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولا الصحابة ولا التابعون ، ولا قدماء أئمة أهل البيت عليهمالسلام المطهرون. «قالوا» أي قال المخالفون لنا : «قال الله تعالى : (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١).
ومعنى كتب أوجب كقوله (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) (٢).
«قلنا» : ذلك وارد على طريق التشبيه «شبّه الله تعالى فعله لرحمته» لعباده الواسعة لكل شيء «بفعل الواجب المكتوب» الذي يوجبه هو تعالى أو غيره على المكلف «لمّا كان تعالى لا يخلفه البتّة» لأنه تعالى لا يخلف الميعاد «فعبّر عنه بكلمة كتب كقوله تعالى (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) (٣) أي وارد جهنم (كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا) والحتم والتّحتم من صفة الواجب شبّه ورودها بالواجب في كونه أمرا مقضيّا لا محالة ، «وهو» أي ورود جهنم «غير واجب عليه تعالى اتفاقا» بيننا وبين مخالفينا في هذه المسألة.
واعلم : أن مسألة الألطاف والمصالح من المسائل الكبار التي كثر فيها الخلاف بين المعتزلة.
فمنهم : من فرق بين المصالح الدينية والدنياوية وهم البصرية فقالوا : يجب على الله تعالى الدينية لا الدنياوية.
ومنهم : من أوجب الدنياوية كالزيادة في الأموال وغير ذلك وهم البغدادية.
ومنهم : من لم يوجب شيئا من ذلك.
ومنهم : من أوجب بعض الدينية ، وقد ذكرت شيئا من ذلك في الشرح ومن تصفحها علم ضعفها. وإلى هنا انتهى الكلام في القسم الثاني من أقسام هذا الكتاب المبارك ونشرع بعون الله في القسم الثالث منه.
__________________
(١) الأنعام (٥٤).
(٢) البقرة (١٨٣).
(٣) مريم (٧١).