واحترز بكونه مشعرا بالجلال عن نحو الزارع والرامي ، فإنه لا يجوز إطلاقه مع ورود قوله تعالى : (أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (٦٤)) (سورة الواقعة : ٦٣) وقوله تعالى : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) (سورة الأنفال : ١٧).
إذا تقرر ذلك وأنه لا يجوز إطلاق لفظ الجسم (١) (فمن أطلقه فهو عاص بذلك) الإطلاق (بل قد كفره بعضهم) يعني «ركن الاسلام» في فتواه فيمن أطلق عليه تعالى اسم السبب والعلة إلى آخر كلامه (٢). (وهو) أي : التكفير لمن أطلقه (أظهر) من عدم التكفير له ، (فإن إطلاقه) إياه حال كونه (مختارا) لإطلاقه غير مكره عليه (بعد علمه بما فيه من اقتضاء النقص استخفاف) بجناب الربوبية ، والاستخفاف به كفر ونفاقا.
(ولما ثبت انتفاء الجسمية بالمعنى المذكور ثبت انتفاء لوازمها) وهي الاتصاف بالكيفيات المحسوسة بالحس الظاهر أو الباطن ؛ من اللون والرائحة والصورة ، والعوارض النفسانية ؛ من اللذة والألم والفرح والغم ونحوها (فليس سبحانه بذي لون ولا رائحة ولا صورة ولا شكل ولا متناه ولا حالّ في شيء ولا محل له) ولا متحد بشيء ولا يعرض له لذة عقلية ولا حسية ولا ألم كذلك ولا فرح ولا غم ولا غضب ولا شيء مما يعرض للأجسام لأنه لا يعقل من هذه الأمور إلا ما يخصّ الأجسام ، وقد ثبت انتفاء الجسمية ، وانتفاء الملزوم يستلزم انتفاء لازمه المساوي ، ولأن هذه الأمور تابعة للمزاج المستلزم للتركيب المنافي للوجوب الذاتي ، ولأن البعض منها تغيرات وانفعالات وهي على الباري تعالى محال ، فما ورد في الكتاب والسنة من ذكر الرضى والغضب والفرح ونحوها يجب التنزيه عن ظاهره على وفق ما سيأتي في الأصل الثامن (٣).
__________________
(١) جاء في الهامش : كذا بخط المصنف ، هذا آخر التحرير.
(٢) ركن الإسلام : عبد الواحد بن عبد الكريم بن هوازن القشيري ، أبو سعيد ، شيخ خراسان ، سمع من كثيرين وحدث عنه كثيرون ، توفي سنة ٤٩٤ ه. انظر : طبقات الشافعية ، للأسنوي ، ٢ / ١٥٩.
(٣) في ص ٦٣.