(الأصل الثالث
أن فعل العبد وإن كان كسبا له فهو) واقع (بمشيئة الله) تعالى (وإرادته) وهي عطف تفسير للمشيئة ، فإرادته تعالى متعلقة بكل كائن ؛ غير متعلّقة بما ليس بكائن.
(فهو تعالى مريد لما نسميه شرا من كفر وغيره) من المعاصي (كما هو مريد للخير) من إيمان وغيره من الطاعات ، (ولو لم يرده) أي : الشر (لم يقع).
هذا هو المعروف عن السلف ، وقد اتفقوا على جواز إسناد الكل إليه جملة ؛ فيقال : جميع الكائنات مرادة لله تعالى (١).
ومنهم من منع التفصيل فقال : لا يقال إنه يريد الكفر والظلم والفسق لإيهامه الكفر ، وهو أن الظلم والكفر والفسق مأمور به ـ لما ذهب إليه بعض العلماء من أن الأمر هو الإرادة ـ وعند الإلباس يجب التوقف عن الإطلاق إلى التوقيف ؛ أي الإعلام من الشارع ، ولا توقيف في الإسناد تفصيلا.
قالوا : وما ذكرناه من صحة الإطلاق إجمالا لا تفصيلا كما يصح بالإجماع والنص أن يقال : «الله خالق كل شيء» ، ولا يصح أن يقال : «خالق القاذورات ، وخالق القردة والخنازير» ، مع كونها مخلوقة له اتفاقا ، وكما يقال : «له ما في السموات والأرض» ، أي مالكهما ، ولا يقال : «له الزوجات والأولاد» لإيهامه إضافة غير الملك إليه. ومنهم من جوّز أن يقال : «الله مريد للكفر والفسق معصية معاقبا عليها» (٢).
وفي قول المصنف : «لما نسميه شرا» تنبيه على أن تسمية بعض الكائنات
__________________
(١) خلافا للمعتزلة الذين يستثنون إرادة الشر ، وينسبونها إلى العبد مباشرة خلقا وإرادة بطريق الإلزام ؛ لأنهم لم يكونوا يصرّحون بذلك مطلقا إلا عند ما طال إلزامهم بذلك فجاهر الجبائي وقال لا مانع شرعا.
(٢) قارن بما في الإرشاد للجويني ، ص ٢٣٨.